عن كتاب “غناء العيطة” للدكتور حسن نجمي أتحدث-عبد الله اتهومي

نحن أمام كتاب قيم ومهم يعرف بأهم فن شعبي أصيل؛ ألا وهو غناء العيطة الذي طالما عانى من تهميش ممنهج، وهذا ما أوضحه في المقدمة مؤلف الكتاب الذي يمكن اعتباره مرجعا أكاديميا مؤسسا للبحث حول ظاهرة العيطة.
حديثي عن هذا الكتاب سيقتصر على مدخله الهام وفصوله الثلاثة الأولى في أفق استنباط أصل هذا الفن الغنائي الأصيل المغربي المقترن بالبادية المغربية.
ينطلق الباحث من البسيط الى المركب لتفكيكه حتى يتسنى فهمه وتقديمه في حلة أكاديمية للقارئ، وهذا ما قام به الباحث الدكتور حسن نجمي في بحثه عن فن غناء العيطة. فهذا النمط من الغناء تعبير فني اجتماعي وجماعي شكل ظاهرة ثقافية يتوجب تشريح المعطيات التاريخية والثقافية والوجدانية كارث تقافي يستدعي البحث عن أصله التاريخي الكفيل بمنح الظاهرة مرتكزا تاريخيا لا يمكن صياغته بدون الرجوع الى مختلف الدراسات التاريخية والسوسيولوجية والأنثربولوجية والإثنوموزيكولوجية بالإضافة الى البحث الميداني.
على هذا المستوى، اسجل نجاح الباحث في تعاطيه مع موضوعه برجوعه الى زمن دخول القبائل العربية الى الغرب الإسلامي وما نشأ عن هذا الدخول من تلاق للموسيقى العربية بالموسيقى المحلية في فترات حروب العصبيات والاستقرار.
بهذا المعنى، يمكن اعتبار كتاب “غناء العيطة” للدكتور حسن نجمي في الشق الخاص بالأصل التاريخي مرجعا مهما يسير في اتجاه ما خلص اليه عبدالرحمن بن خلدون في مقدمته من أن الفن الموسيقي تأثر بشكل كبير بما وصفه بأطوار الدولة: في الطور الأول ينشأ تحالف بين العصبيات التي تستولي على الحكم المركزي، ويتجسد الطور الثاني في بناء الدولة، لتمر الى الطور الثالث المتميز بالازدهار، ثم بعد ذلك تدخل الدولة في طور الانحدار، تماشيا مع ما وصفه مؤلف كتاب “غناء العيطة” الباحث الدكتور حسن نجمي بحقبة الانتقال من الحكم المرابطي الى الحكم الموحدي. في هذا السياق، كتب حسن نجمي يقول: “ما كانت تؤاخذه الدولة المرابطية في أواخر عهدها هو ما كانت هي نفسها في بداية تأسيسها تؤاخذه على الاخرين” (ص:89).
قريبا من قول حسن، قال ابن خلدون بأسلوب دقيق: “سيرورة متقدمة من التطور الاجتماعي والثقافي والانتشار الفني، وفي نفس الوقت قد تكون علامة من علامات الاختلال أو التأرجح (…) صناعة الغناء هي آخر ما يحصل في العمران من الصنائع لأنها كمالية في غير وظيفة من الوظائف إلا وظيفة الفراغ والفرح، وهي أيضا أول ما ينقطع من العمران عند اختلاله وتراجعه”.
وهكذا يمكن القول أن المفكرين كليهما يلتقيان في تحديد شروط تطور وتأخر الفن الغنائي في الغرب الإسلامي الذي سيعرف شيئا من الاستقرار في القرن السادس الهجري (القرن 12 الميلادي) من خلال استقرار القبائل العربية الذي أثر بشكل ملموس على فن الغناء، فكان تلاق وتداخل بين الأمازيغي والعربي موسيقيا، وأتت مخلفات الحظر الرسمي الموحدي للغناء والموسيقى اكلها.
في زمن الاستقرار انتشر الغناء والموسيقى ومعهما ظهرت لهجة عربية مغربية (الدارجة) وظفت في أداء غناء العيطة في ربوع البادية المغربية، وهي عبارة عن نص شعري زجلي شفوي منظوم بالعامية واقع تحت تأثير تفاعلي مع فضائه الجغرافي والثقافي واللغوي والاجتماعي، أي تمازج وتأثر بين التعبيرات العربية الوافدة والأهازيج الشعبية الأمازيغية. هذا التأثير والتأثر خلق التمازج في غناء العيطة التي كان شكلها في الأول بسيطا في الشعر والألحان والأدوات الإيقاعية ومع الزمن تطور غناء العيطة من القرن السادس عشر الى القرن التاسع عشر، حسب المؤرخ المرحوم محمد بوحميد.