الأحد 18 ماي 2025 بأكادير.
لا شيء يبقى على حال ودوام الحال من المحال! كما قال الفيلسوف الإغريقي هيراقليت او المؤسس لعلم الأجتماع العربي- ما قبل دوركايم، إبن خلدون، في كتابه “المقدمة” عن البربر. هي هكذا سنة الكون والحياة والمجتمع والمادة التاريخية: الحركة والتغير….!!
الكل في ندوة اليوم ينضح بالحيوية والحركة، الشمس الجميلة والفضاء المرتب وتأهب المتدخلين والحضور لإحتضان ندوة “التحولات الإجتماعية في سوس والصحراء….”، بكل استمرارياتها وقطاءعها الإبستمية الأكيدة: الوقوف على التحول والتغير وتواتر الأحداث الإجتماعية، وإعتماد المقاربة التاريخية حيث “النظر؛” و”التحقيق”، كما يقول إبن خلدون، شرط إنتاج معرفة موضوعية علمية، عكس دعوات من لا يرون في الكون- المسبح له إلا السكون والنمطية والأبتذال وثقافة اللايت والبوب، ( على حد قول بنعبد السلام في كتابه البوب- فلسفة، 2015).
ستتناول الندوة مواضيع قيمة، سبقها تمكين المتدخلة والمتدخلين بأرضية فكرية في الموضوع، لا داعي لإعادة تقديمها، الآن، وهي موجودة على النت، فكانت إسهامات الضيوف متنوعة ومتعددة، منها ما هو عام ويعنى بإشكاليات التحول والتغيير في بلادنا، ككل، ومنها ما يركز على جهة الجنوب، سوس الصحراء، نموذجا، فكانت عناوينها كالتالي: “التحولات الإجتماعية والثقافية بالمغرب”، ثم “التنوير والقبيلة: سؤال العقل والهوية في مجتمعات الجنوب المغربي”، ثم “التحولات الإجتماعية بشتوكة آيت بها، قراءة سوسيوإنتروبولوجية”، ثم “التحولات الإجتماعية بالصحراء: العيون نموذجا”، ثم “التحولات الإجتماعية في العاءلة الصحراوية المغربية”، ثم أخيرا وليس آخرا “ثورة المثقفين بسوس والصحراء/ 1912/ المغرب”. وما أقدمه هنا ليس تقريرا عن الندوة، وإنما كلمة الجمعية ترحيبا بالنخبة المتدخلة الكريمة وبالحضور السوسي- العزيز.
تحاول الندوة إعتماد الواقع الإجتماعي المغربي الملموس والمفكر فيه، مخلحلة مفاهيم القبيلة والعاءلة والتراب والمجال والوطن… ترصدها عبر براديغمات نظرية ومعطيات إحصاءية متواترة، كما تدرسه السوسيولوجيا، كعلم إجتماعي، مؤمنة بموضوعية وقوة الحدث والفعل وهول المنعطف التاريخي والنقلات الفجاءية النوعية و ميكانيكا الصيرورة التاريخية، في ذاتهم، عوض منزلق السرديات الديماغوجية التي تهوى الهلوسة الذهنية والإغراق في الذاتيات لتعكس مرايا اللاشعور المنكسرة….وما يستتبع ذلك من تجهيل وتخويف وترهيب للنفس وتضليل الناس وتعطيل للعقل…وتأهيب الأحرار!!!
ديدننا في الجمعية المغربية للتنوير، قبل أي شيء، والندوة هاته مثال على ذلك، الدفع بالتعدد والإختلاف والتنوع في وجهات النظر، عوض الإنتصار لأحادية الفكر القاتل والإنغلاق على الأنا المتشضية والمريضة، القاتلة أصلا للتفكير والتفلسف/ أداة الحوار/ البحث في الإختلاف لا الخلاف…لا الفتنة…!!
منهجيا تدعو و تقترح الندوة إعتماد مقاربة تفهمية comptéhensive- تأويلية interprétative- بيداغوجية pédagogique، بالمعنى الفيبيري، على الأقل، و هي دعوة إثنوميتيدولوجية، ethnométhodologique لتجنب إقرار رأي فوقي دون حجة او سند او تحليل لإقناع الحضور الهاوي منه والمتمرس، في آن، هي دعوة لتجنب اللامبالاة واللامعنى، حيث واقع حال التأويل هو “تأويلات”، وحيث كل ما يبدو تكرارا لا منتهيا، او ما هو تدرج في المكان المنثني، وذلك التراجع الذي لا يتوقف عند “شيء” يؤول، حتى، هو من صميم نظرية المعرفة و آليات الفهم والتفهم والبيداغوجيا، بالذات.
كل ذلك يجعل التأويل المعاصر لانهاءي، هو التأويل الذي لا ينطلق من درجة صفر المعنى، أبدا، وإن بدى راديكاليا، حتى، ولا ينتهي قطعا عند إكتمال مؤكد ويقيني.( أنظر في هذا الموضوع ع. السلام بنعبدالعالي، 2015).
خوفنا- سؤالنا في مكتب الجمعية أن يتغير كل شيء في بلادنا، وفي هذه المنطقة الواعدة، بالذات، دون أن يتغير أي شيء، أن لا بتغير جوهر البنية والسلوك، وفي أي إتجاه، إذ يصبح التغير صراحة “مسوخا” ليس إلا، Dénaturation، معاودة للإنتاج الإجتماعي Reproduction sociale، كما ترى ذلك نظرية بورديو وإسطابليت، في مؤلفهما الجماعي الشهير، دون تطور فعلي لتشكيلتنا السوسيوقتصادية والثقافية والسياسية والقيمية، بما الوضع هو قتل في الواقع للحراك الإجتماعي الواعد و تجميد للدينامية المجتمعية، عموما، وككل، “حرفت بوك لا يغلبوك”.
وقد يسمي البعض من الجهلة ذلك التكلس والتحجر وتخلف البنيات والسلوكات “إستثناء”، Exception، في ما هو محو وطمس بقوة الادلوجة للتناقضات الإجتماعية و تكريس لللامساواة المجالية و تسمية كل أنواع الفضاضة والخيانة تحت مقولة “تامغرابيت”، أو حتى إعتبار السفه والتلف توازنا وخصوصية Spécificité وتفردا singularité، مما جادت به المابعد- معاصرة الغربية، اليوم، في البلدان المتقدمة “جدا”….
والحال أنها خصوصيات مدمرة و فوضى لا -خلاقة وتوازنات
كارثية، في بلداننا، المتأخرة، إن هي حادت الإنقطاع عن كونية المعرفة والممارسة العلمية، وإن هي خلفت هذا الزمكان الإنساني فلن تستحق منا أدنى تفاخر بيننا….هكذا نفهم خصوصيتنا وندافع عنها…
حرصنا أن لاتتزين الواجهات الكبرى لبلدنا ومناطقنا وجهاتنا وشواطءنا، فقط، دون أن تتحسن أوضاع الناس الحياتية والعملية، من كل التحولات الرهانات السوسيوقتصادية، ليس فقط من النخب وكبار الأسر والأعيان، وإنما من ناس “المجتمع السفلي”، القاعدة الشعبية، الحاضن العريض!؟
ندوتنا اليوم تقترح وتشتغل على “فرضية جهة/ شجرة سوس الصحراء المغربية، جذرها في أكادير و عروشها وضلالها في الصحراء عبر واد نون عبورا لإفريقيا، برمتها”، بالذات.
وإذا كان مما لاشك فيه أن الصحراء المغربية لها حواضرها التاريخية المشروعة، فإن تنفس أكادير لا يمكن أن يتم إلا بالتواصل والتمدد نحو الجنوب وإفريقيا الساحل. فالأمر يتعلق بمنطقة عريضة وخاصة، نريد التفكير فيها، من خلال متدخلي ومتدخلة الندوة، خارج حجر الكليشيات الرسمية، من تقطيع وتصور إداري تقنوي قاصر، وداخل هندسة مجتمع مغربي مركب ومتداخل البنيات و متساكن السلوكيات القبلية الإثنبة والإجتماعية…، الإفريقية – الساحل، و نذرا مشؤوما لأقوام لا نفقه -علنا- شرعية ومشروعية مقدمها….إن هي إستعصى إحتواؤها ودمجها او أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على هويته وسيادة وأصول بلدنا وجهاتنا….
منطقة سوس والصحراء الزوج التاريخي الفريد. إنها منطقة تحضى، أكثر من غيرها، بوضع إعتباري جيوستراتيجي مميز ومغاير ومهيمن -أكثر من غيرها- من مناطق “المغرب الابي”، حتى أن مسمى “سوس” يفاخر ويليق ويلبس تاريخيا ورمزيا، وبدون مركب غلضة، كل ربوع المغرب وتاريخه الطويل، مشعا بموارده وبإنفتاحه المغري على دوامة العولمة الجهنمية وأذنابها المحليين.
خاصة أيضا وأننا- جميعنا- أصبح يعلم -اليوم- وفي ذلك قراءات وشهادات عزيزة أن الإنفصال مشروع صنعته فرنسا وورثته الجزاءر (أنظر الجيلالي العدناني، المغرب، 2017، أنظر أيضا بوبريك رحال، سؤال الصحراء.. المغرب، 2025) وإن لدى الحكم المخزني لبلادنا يد في ذلك، وهو الأمر المرتبط بطبيعته السياسية، مع تآمر النظام المخزني الذي إستهجن التفاعل السياسي المثمر الممكن، أكان مع قادة جيش التحرير أو مع النخبة الصحراوية، حينها، حيث إحتكر القصر الملف وأبعد كل القوى الحية من الإشراك الفعلي فيه، فضلا عن عجزه السيطرة المطلقة والهيمنة على كامل التراب الوطني، معبرا عن ضعفه وعن هشاشة الجبهة الشعبية الوطنية، الدليل على ذلك: أستقواؤه بتحالفات غير/أو قديمة و “شبه- عادية”….
يبدو أن “الحكم الذاتي” حل ناجع، وأن أضعف الإيمان تمثله عمليا و تفعيله على أرض الواقع / في الصحراء، من طرف المجتمعين السياسي المدني، إذ المطلوب اليوم الذهاب إلى ما بعد “تقرير المصير/ 1974- 75″، الذي أصبح إختيارا يسراويا متجاوزا، وحتى “رجعيا” ( أنظر ع. السلام المودن، في الدولة المغرببة، المغرب، عيون المقالات، 1991 )، والعمل على إطلاق النقاش الحر و السياسي الديموقراطي حول حلول سيادية مبتكرة !!
ولا شك ان حل قضية الصحراء يضل مفتاح التقدم نحو المستقبل لبلادنا، وللمنطقة هاته، في إتجاه إفريقيا والعالم. لكن عادة ما كان السؤال البحثي العلمي يطرح على مستوى القانون الدولي، ويتم أعتماد مقاربات قانونية وسياسية حصرية في الموضوع. كما كانت الدراسات قبل إندلاع الصراع سنة 1975 موجهة لشرعنة الحق التاريخي للمغرب في جنوبه، وللتدليل على الروابط العميقة بين الصحراويين وباقي سكان المغرب (أنظر كتاب عالم الإجتماع المغربي محمد الشرقاوي عن الزيجات المختلطة التي وطدت العلاقة ببن شمال المغرب وجنوبه الصحراوي، معتمدا على آلاف عقود الزواج في كتابه الصحراء: الروابط الإجتماعية والرهانات الجيوستراتيجية.).
ومع توفر المعطيات وأرشيفات رفع الإستعمارين الفرنسي والإسباني يده عنها/ الأرشيف، اليوم، ( أنظر تحاليل العدناني الجيلالي/ 2017 وخاصة كتابه الصحراء في محك الأستعمار…، و كذا بوبريك رحال/2025 حول أصل المشكلة الصحراوية…)، أصبح من المتاح معرفة دقيقة متوافقة ومتطابقة، إلى حدود معينة، داءما، إذ لازال الجزئ الأهم مغمورا ومطمورا، بشهادة الباحثين، بشروط نشأة و خلق صيرورة المجال الصحراوي، ثم خلق شعب له، خلقا وإختلاقا. لقد ابان المحللون في التاريخ والجغرافيا والسياسة كيف كان يتم تعليق الحدود باستمرار، ولما ترسم فإن خطوط التقسيم تسطر بطريقة أحادية وفوقية ( أنظر بوبريك رحال، 2025)، ألى أن تسمح الفرص والصراعات وموازين القوى بترسيم التخوم بالتدريج والمباغتة ( أنظر العدناني الجيلالي، 2017- 2025).
ومن البديهي أن إستعمار مجال ما لا يعني أبدا محو سيادة الدولة المستعمرة( بنصب الميم/ المغرب) على أرضها، فضلا على أن أستعمار فرنسا لأرضنا أخذ شكل “حماية” و “إنتداب سلطة”، مع الحفاظ على سيادة المغرب، ليس إلا ولا أكثر !!!. وهو ما جعل بعض الباحثين في الموضوع يفترضون: الصحراء الغربية “بدعة إستعمارية”( أنظر بوبريك رحال، مرجع مذكور)، لا أكثر!!.
لقد أن الأوان لأن تأخذ السوسيولوجيا المغربية النقدية طريقها لإبراز التحديد البيترونومي الصحراوي- المحلي المرتبط بجغرافية المنطقة وبتراب يتملكه ويسكنه وتسيطر عليه قباءل بعينها، ضد سياسات التهجير والترحيل والأستحواذ على الأرض…لغرض في نفس المستفيدين من الأعراب والأغراب…. !!
لكن هل هذا هو الثمن “بالسلب” والغصب والنزع للأراضي و ضرب الأعراض الذي تستحقه قباءل صحراوية ناضلت -عن بكرة أبيها- ضد الأجنبي المحتل، و حتى ضد أقرباء من أبناء عمومة/ البوليزاريو، إختلفوا التقدير السياسي للوضع العام معهم، من أجل قضية إعتبرتها عادلة…وهي كذلك…!!
أم أن الفساد لما يعم الدولة، فمراحل الإصلاح الأولى تتم بالضرورة عبر “الفوضى”، والهدم والردم وغياب الأمن والأمان وإستشراء الفساد، كما يحلل ذلك إبن خلدون في كتاب العبر، مذكرا بإحدى نظريات المحافظين الجدد: “الفوضى الخلاقة”، اليوم، …، على الأقل في بداية عملية التغيير والإصلاح…!!!؟؟
فإلى أي حد يمكن إعتماد الصراع الفكري والمنهجي والحضاري الإيجابي لدى المتدخلين/ات -إن وجد- حول مبنى ومعنى وإتجاه ما يعتمل في منطقة سوس والصحراء، بمثابة “تأويل لانهاءي” أبدا للحقيقة النسبية، بحيث يضل كتابا مفتوحا، يراكم المعاني الصغيرة والكبيرة، الجزءية والتاريخية.
و معلوم أنه لا يضير الباحثين المتمرسين، اليوم ، ممن معنا، في شيء، وهم الذين خبروا العلوم الإجتماعية والأنسانية والميادين، أن يبقى التأويل في موضوع الندوة الشاءك، بالذات، هذا، غير مكتمل…!؟ وأنه ستأتي- حتما- محطات ومحطات لتجديد وتكميل الغير المكتمل ولإنهاء اللامتناهي، من حيث الطبيعة…
أم أن الأمر يقتضي، ضمن الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء، وضمن مفهوم موسع وأستراتيجي للجهوية وقاطع لدابر التجزئة التراب الوطني العمل على تعميق الوطنية المغربية وتجديد المواطنة وفي قلبها -طبعا- الديموقراطية، عبر النضال الديموقراطي السلمي…!؟
وبعد الفهم النسبي المأمول لكل حيثيات التحولات والتغيرات المفترضة في المنطقة، وزنها ومعناها وأفقها، بالدليل والمؤشر الناجع…. أي عمل وأي سياسة عمومية قادرة بالفعل على تثوير وتفعيل وإستثمار خيرات وخبرات ومعادن و ثقافة سوس والصحراء الموسعة، خاصة وأن هيأة الأمم المتحدة إعترفت بأمازيغية الصحراء المغربية/ 2004، وأي دور يمكن أن يلعبه المجتمع السياسي و المدني في التنمية المستدامة والإستثمار والربح المتبادل والعدالة الإجتماعية والحق في الأرض والعرض…في المنطقة… الجزىء من الكل المغربي المواطن!؟؟