وجهة نظر

سوريا من دولة “راعية للإرهاب” إلى كيان “يرعاه الإرهاب”-إدريس عدار

     يمثل قرار مجلس الشيوخ الأمريكي، القاضي بشطب اسم سوريا من لائحة الدول المارقة، عملا شكليا، لأن مفعول القرار الصادر سنة 1979 قد انتهى يوم الثامن من دجنبر الماضي، بعد تمكين هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة / فرع تنظيم القاعدة بسوريا) من السلطة بدمشق.
فقائمة الدول المارقة، أو الراعية للإرهاب بالتعبير الأمريكي، تضم عددا من الدول تمنع واشنطن التعامل معها.
وحسب منشور للبيت الأبيض على منصة إكس فإنه “رغم أن هذا التصنيف لا يعد رسميا من قبل الحكومة الأميركية، فإن سوريا لا تزال مدرجة كدولة راعية للإرهاب منذ عام 1979 وفق وزارة الخارجية الأميركية. ويبقي هذا التصنيف على مجموعة من القيود الصارمة، من بينها حظر المساعدات الخارجية، وتقييد صادرات ومبيعات الأسلحة، وفرض ضوابط على المواد ذات الاستخدام المزدوج، بالإضافة إلى عقوبات مالية وإجرائية أخرى”.
تعتبر “لائحة الدول المارقة” تصنيف غير رسمي قانوني، بقدر ما تعتبر مفهوما سياسيا استخدمته واشنطن لممارسة الضغط على عدد من الدول، ويتعلق الأمر بدول متهمة بأنها تدعم “الإرهاب الدولي” أو تسعى لامتلاك أو نشر أسلحة دمار شامل (نووية، كيميائية، بيولوجية)، أو تنتهك حقوق الإنسان بشكل منهجي. أو تتحدى النظام الدولي أو تهدد الأمن الإقليمي والدولي.
وكان الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون قد أنعش هذا المفهوم قبل تبنيه بشكل كبير من قبل جورج بوش الإبن. ويذكر أن الإدارة الأمريكية استعملت سنة 2002 مفهوم “محور الشر للدلالة على إيران، والعراق، وكوريا الشمالية، وأحيانا على سوريا وليبيا وفنزويلا.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية وضعت، سنة 1979، سوريا على قائمة الدول الراعية للإرهاب بسبب الوجود العسكري السوري في لبنان ودعمها حزب الله ومنظمات المقاومة الفلسطينية.
كما قامت المجموعة الاقتصادية الأوروبية (الاتحاد الأوروبي حاليا)، سنة 1986، بفرض عدد من العقوبات من بينها حظر على بيع أسلحة جديدة إلى سوريا، وحظرا على الزيارات رفيعة المستوى، ومراجعة موظفي السفارة والقنصليات، وتدابير أمنية صارمة فيما يتصل بالخطوط الجوية العربية السورية. وقد رُفعت هذه التدابير عام 1994.
غير أن الولايات المتحدة الأمريكية، رغم تصنيفها لسوريا بالراعية للإرهاب، فتحت قنوات حوار مع دمشق، وبينما كان كولن بأول دائم الزيارة لسوريا ما بين 2003 و2005 فرضت ما بين مارس وغشت 2004 عقوبات جديدة على الحكومة السورية.
وكانت التهمة الجاهزة هي “حيازة النظام السوري المزعومة لأسلحة الدمار الشامل، وتدين سيطرته على لبنان واستعداده لزعزعة استقرار العراق، فضلاً عن دعمه لمنظمات قوى المقاومة مثل حزب الله وحماس وعدد من تنظيمات المقاومة الفلسطينية”.
عندما قلت بأن هذا التصنيف انتهى عمليا يوم الثامن من دجنبر فقط لأني لم أكن ملتبسا ومنذ البداية كتبت عن رعاية واشنطن للجماعة التي تم تمكينها من السلطة بدمشق.
لقد انتهت عوامل تصنيف سوريا دولة راعية للإرهاب، وعلى رأسها إعلان النظام الجديد أنه حرر سوريا من إيران وحزب الله، وأعلن أنه لن يكون منطلقا لمهاجمة “إسرائيل”، كما أمر منذ البداية بإغلاق مكاتب حركات المقاومة في دمشق وإغلاق معسكراتها، وبالتالي لم يعد هناك ما يستدعي استمرار هذا التصنيف.
ولقد تهاوى خالد مشعل، القيادي في حركة حماس، عندما قال، في بداية تميكن هيئة تحرير الشام من السلطة في سوريا، إن انتصار الشعب السوري بشرى لانتصار الشعب الفلسطيني، وهو يعرف أن القوم ليسوا في وارد محاربة “الكيان المؤقت”.
وهنا أقف بسرعة لمناقشة ما قاله الكاتب الأردني والمحلل السياسي عريب الرنتاوي عن استقلالية حماس في قرارها (مقال منشور على صفحته بفيسبوك)، حيث استدل على ذلك بأنها لم تساند النظام السوري كما باقي أطراف محور المقاومة، التي فضلت الوقوف مع سوريا الأسد.
لكن الكاتب غاب عنه أن ما استدل به على استقلالية حماس قد يكون دليل تبعية، خصوصا وأن كل الجماعات الإسلامية ومعها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين كانت ضد النظام السوري، وبينما يلزم باقي الأطراف بأنها “أذرع لإيران” يعتبر حماس مستقلة، لكن حاول أن يجعل منها حركة تقف على الحياد.
نعرف أن حماس انكشفت في معركة القصير، التي أظهرت تورطها المباشر في دعم الإرهابيين، ولم تعد إلى مصالحة سوريا الأسد إلا بعد أن تبين أن المشروع لا يسير في طريقه المرسومة بعد خروج حمد بن جاسم، المسؤول القطري، وفضح المؤامرة على سوريا.
تم وضع سوريا الأسد على لائحة الدول الراعية للإرهاب بسبب احتضانها ودعمها لحركات المقاومة، وليس لشيء آخر، لهذا ما قام به مشعل سقوط حر، وإن كان منسجما مع تصريحات مخففة لبعض قادة الحركة من المقاومين، الذين برروا لجوءهم إلى المحور كون العرب خذلوهم، مع العلم أن الحركة ليست “عروبية”، ولو قالت خانتنا تركيا وماليزيا لكان لكلامها ما يبرره، وذهب بعض خطبائها إلى أن ما أقدمت عليه هو شبيه بجواز أكل الجيفة عند الحاجة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى