وجهة نظر

الحج على نفقة الدولة.. تمويل ديني أم ريع مقنّع؟!

بقلم: حميد قاسمي

الحج عبادةٌ مردودة إن لم تكن من حلال من المعلوم أن الحج فريضة عظيمة، ركن من أركان الإسلام، لا يُفرض إلا على من استطاع إليه سبيلًا، كما قال تعالى:
﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾.
غير أن استطاعة الحج لا تُقاس فقط بالقدرة البدنية أو تيسّر وسائل السفر فحسب، بل تتعلق أساسًا بامتلاك المال الحلال الذي يطهر العبادة من الشبهة، ويجعلها مقبولة عند الله عز وجل.

إن ما يُسمى اليوم بـ “الحج على نفقة الدولة” – سواء عبر الوزارات أو الإدارات أو المؤسسات العمومية – يثير إشكالًا شرعيًّا وأخلاقيًّا كبيرًا، لكون هذه الأموال المخصصة للحج ليست أموالًا شخصية أو خاصة، بل هي من المال العام، ساهم فيها الشعب بأكمله، من مختلف فئاته: البنّاي، الحارس، الفلّاح، البائع المتجول، العاطل عن العمل، والمحروم من التغطية الصحية قبل الحديث عن الحج.
وهذا الوضع يطرح علامة استفهام خطيرة: هل يجوز أن تُصرف أموال الشعب لتمويل عبادة شخصية، لا تُتاح لعموم المواطنين، وتُمنح لفئة محظوظة بحكم موقعها الوظيفي أو قربها من مراكز القرار؟

وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسلك، بحديثٍ بليغ شديد الوضوح، إذ قال:
“يخرج الحاج حاجًّا بمالٍ خبيث، فيضع رجله في الركاب، فينادي: لبيك اللهم لبيك، فيُنادى من السماء: لا لبيك ولا سعديك، مالك حرام وحجك حرام حجّك مردود عليك”.
وفي هذا الحديث بيانٌ أن الله لا يقبل من عباده أداء المناسك إن كانت ممولة من المال الحرام أو المشبوه، حتى وإن لبّوا ونادوا وهللوا، فالمعيار هو طهارة المال لا مجرد النية الطيبة.

كما جاء في الحديث الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم:
“إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا” [رواه مسلم]،
وفيه تأكيد أن العبادة المقبولة لا تكون إلا بما طاب مصدره وخلا من الشبهة.

ولا يُستثنى من هذا الحكم موظف صغير ولا مسؤول كبير، فالعدالة في الدين تقتضي المساواة في الاستفادة من المال العام، وعدم تخصيصه لأداء شعائرٍ فردية، يفترض أن يُنفق عليها المرء من ماله الخاص، لا من ميزانية تُجمع من عرق المواطنين.

وعليه، فإن من أراد أن يؤدي فريضة الحج، فليتهيأ لها بالاجتهاد والادخار والاعتماد على النفس، لا بالاعتماد على ما تمنحه المؤسسات من “هبات دينية” لا تتوفر لجميع المواطنين، بل تُوزّع وفق منطق التمييز والريع، الذي يتنافى مع جوهر العبادة وروح التقوى.

فلنُعد للحج هيبته، ولنُنزّهه عن كل ما يشوبه من شبهة، ولندرك أن الله لا يقبل نداء “لبيك” من عبدٍ حمله إلى الحرم مالٌ ليس من كسبه، في حين حُرم منه آلاف المسلمين الذين لم يجدوا ما ينفقون، رغم شوقهم ولهفتهم لبيت الله الحرام.

فيا من نويْت الحج، تزود من الحلال، وابتعد عن أموال الشعب، فإن الله غني عن عبادتك إن تلطّخت بظلمٍ أو رياءٍ أو تمييزٍ على حساب الآخرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى