وجهة نظر

صوتك ليس للبيع: المال والجاه لا يبنيان وطنًا بقلم: حميد قاسمي

  على الرغم من أن بلادنا لا تزال تفصلها بعض الأشهر عن موعد الانتخابات الجماعية والتشريعية المقبلة، إلا أن بوادر موسم انتخابي مألوف بدأت تلوح في الأفق، وتُذكّرنا بسيناريوهات معتادة أفرغت العملية الانتخابية من بُعدها الديمقراطي، وحوّلتها في بعض المناطق إلى مناسبة للعبث واستغلال فاضح لهشاشة فئات واسعة من المواطنين.

في بعض الجماعات الترابية، لا سيما في العالم القروي، تشهد مرحلة الحملات الانتخابية الرسمية عودة لوجوه اعتادت الظهور في كل استحقاق، تحمل معها نفس الممارسات ونفس الخطاب ونفس الوعود. لا شيء يتغير سوى أسماء المدعوين إلى الولائم التي تُنظم لاستمالة الساكنة عبر موائد مشبوهة، تضم اللحم والبرقوق والدجاج، والأجواق من الشيخات، في أجواء تُحاكي الأعراس أكثر مما تُشبه لقاءات سياسية ذات مضمون.

يتم في هذه اللقاءات التمهيدية العزف على أوتار الحاجة والولاء القبلي، ويُعاد إنتاج نفس الشعارات: الحاج فلان سيتكفل بالمشاريع الكبرى، وفرتلان سيضمن لكم الشغل ويتم إغراق الناس بوابل من الوعود الزائفة، من قبيل:

– سنبني لكم مستشفى متعدد التخصصات
– سنشق الطرقات إلى كل دوار
– سنوفر مناصب الشغل لأبناء المنطقة
– سنجلب الجامعة والمصنع والضيعات الكبرى…

وعود من هذا القبيل لم تعد تنطلي على فئة واسعة من المواطنين ولا سيما الشباب، لكنها للأسف ما زالت تجد صدى لدى البعض ممن يُصوّتون بمنطق القرب أو النفوذ أو المال والجاه، لا بمنطق الكفاءة والمصلحة العامة.

في هذا السياق، يتعين التحذير من تنامي ثقافة سياسية تكرّس الرداءة، وتُقصي الكفاءات، وتفتح المجال أمام من يتقنون التمثيل أكثر من التمثيلية على خشبة المسرح، ويتقنون العزف على احتياجات المواطنين لا الاشتغال على برامج تنموية واضحة وواقعية.

أما على مستوى المدن والمجال الحضري، فقد شهدت السنوات الأخيرة صعودًا ملحوظًا لصنّاع المحتوى على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث بات بعضهم يحتل مساحات واسعة من التأثير السياسي، رغم غياب الخلفية الفكرية أو الانتماء الحزبي أو المشروع المجتمعي. ويتم في هذا الفضاء التواصلي خلق رأي عام افتراضي يُوجه السلوك الانتخابي دون رقابة ولا مسؤولية، ويُهمّش النخب الفكرية والكوادر الوطنية التي يُفترض أن تضطلع بدورها التأطيري.

وفي ظل كل هذا، يتم استحضار ملف كأس العالم 2030 في الخطاب السياسي كتتويج لنجاحات كبرى، لكن دون ربط هذا الحدث العالمي بأولويات المواطن اليومية، كالتعليم، والصحة، وفرص الشغل، والعدالة المجالية، والكرامة الاجتماعية. فيُسوّق المونديال كمنجز دعائي، بدل أن يكون ورشًا استراتيجيا لإعادة بناء الثقة وترسيخ العدالة وتحقيق الإقلاع الحقيقي.

إن المرحلة الراهنة، وإن لم تدخل بعدُ طور الاستحقاقات الرسمية، إلا أنها تتطلب يقظة مدنية، وتتبّعًا دقيقًا لمظاهر الإعداد غير المعلن للعملية الانتخابية، وتقييمًا مبكرًا لمؤشرات سلوك عدد من الفاعلين الذين يعيدون إنتاج نفس الممارسات المشينة والمهينة للمواطن المغربي التي أدت إلى ما نعيشه من عزوف سياسي واختلالات في التمثيلية.

إن الوطن اليوم في حاجة إلى تجديد النخب لا إعادة تدويرها، إلى كفاءة نظيفة لا مال انتخابي، إلى سياسي يُدافع عن كرامة المواطن لا من يشتري صوته بلحم ووليمة.

فلتكن الشهور القادمة فرصة حقيقية لإعادة التفكير في قواعد الترشح، وشروط الأهلية، وتطهير الحقل السياسي من الطفيليات التي حوّلت الانتخابات إلى طقس موسمي لا ينتج سوى مزيد من العزوف الانتخابي والسياسي وفقدان الثقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى