وجهة نظر

“سوريا الجديدة” إمبراطورية “الجهاد العالمي”-إدريس عدار

* هل ما زال المثقفون “يستبشرون خيرا” بالجولاني
* سوريا خرجت من محور “المقاوم..مة” ولم تدخل محور “الحريات”
* تجنيس الإرهابيين من العالم مقدمة لإمبراطورية “الجهاد العالمي”
* القنبلة التي يتم إعدادها في سوريا لابد أن تنفجر

1- عندما تم تمكين هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة / فرع تنظيم القاعدة بسوريا) من الحكم بدمشق، في انقلاب ناعم شاركت فيه دوائر استخباراتية ومالية وحكومية متعددة، “استبشر بعض المثقفين خيرا” بالتغيير الجديد، وظهرت البهجة على كثير منهم، ومنهم من كتب عن فراشات الحرية التي ترفرف فوق سماء دمشق.
اليوم بعد مرور الوقت الكافي لأخذ المسافة من الحكم الجديد والتعرف بجد على هويته، أصبح لزاما من منطلق الواجب الأخلاقي أن يحدد هؤلاء موقفهم، هل ما زالوا يستبشرون خيرا أم لا؟ كل حجتهم أن النظام السابق كان “دكتاتوريا” وأبو محمد الجولاني يمثل الثورة والتغيير، وقصارى حجتهم تغييره لشكل اللباس وتشذيب لحيته. وأي اعتراض من أي واحد ومهما كان مصدره كان يجابه بأنه متسرع وينبغي إعطاء الحاكم الجديد وقتا لبناء الدولة ومؤسساتها.

2- الخلاف حول هوية النظام الجديد في سوريا لا يتعلق بكل ما تم التسويق له، حيث تم “الضرب على الصحون” بشكل كبير، وتم توظيف عددا لا يمكن حصره من وسائل الإعلام ومن باقي الأدوات لشيطنة النظام السابق، وتم التغاضي عن هوية هيئة تحرير الشام الإرهابية، وصموا الآذان حول خلفيات ما حدث في سوريا، ولم يرد أحد أن يسمع كلام السفير الأمريكي السابق في سوريا، الذي قال إنه بتكليف من مؤسسة بريطانية قام بتدريب الجولاني.
ولم يرد أحد أن يسمع كلام هيلاري كلينتون في مذكراتها التي قالت فيها إن المخابرات الأمريكية، هي التي صنعت وأسست جبهة النصرة، دون الحديث عن اعترافات وتصريحات حمد بن جاسم، المسؤول القطري، الذي كشف ذات صراع بين “المتهاوشين على الطريدة” أنهم جمعوا ملايير الدولارات التي تم صرفها من أجل إسقاط الأسد.
لقد تظافرت العديد من الروايات حول جبهة النصرة، وخصوصا التسريبات التي قام بها إدوارد سنودن، حول اعتقال الجولاني في العراق من قبل الأمريكيين قبل أن تصل إليه العناصر الأمنية العراقية وتم نقله إلى غازي عنتاب حيث تم فتح معسكرات للتدريب، وما إن انطلقت الاحتجاجات في سوريا حتى كان 11 ألف مقاتل في درعا مستعدون لبدء المعركة.
سنة 2015 دعا الجنرال ديفيد بترايوس إلى التعاون مع جبهة النصرة لمواجهة داعش. من هو بترايوس وكيف يعرف جبهة النصرة؟
بترايوس كان مديرا لوكالة المخابرات المركزية (CIA)، وهو جنرال متقاعد في الجيش الأمريكي، كان مسؤولا عن السياسة الأمريكية في العراق والشرق الأوسط وكان قائد “القيادة المركزية الأمريكية” و”القوة متعددة الجنسيات في العراق”، بما يعني أنه كان على معرفة بجبهة النصرة الحاكمة اليوم في سوريا.

3- الذين كانوا مع سوريا الأسد كان الميثاق بينهم وبينه أنه سند للمقاومة في لبنان وفلسطين، وكان الشيخ نعيم قا..سم قال في حواره الأخير إن الرئيس السوري بشار الأسد ظل يدعم المقاومة في فلسطين ولبنان إلى آخر أيامه، والدعم هنا يتعلق بالسلاح. وسبق ليحيى السنو..ار أن قال ذات خطاب “إن سوريا الأسد هي ركيزة اقتدارنا”.
إن سقوط سوريا الأسد شكل خرما في محور المقاو..مة. لا أحد من مناصري المحور كان يناقش حق الشعب السوري في مطالبه، والحزب الذي يتم لمزه بمشاركته في مكافحة الإرهاب، لم يوجد إلا حيث كانت الحرب والمعارك، حيث تم جلب الإرهابيين من 83 بلدا.
ولا يطرح السؤال على الخاسر لكن على الرابح. أين محور الحريات؟ وقبل ذلك فإن سوريا الأسد فرضت قواعد اشتباك مع العدو الصهيوني، حيث لم يكن يتجاوز خط وقف إطلاق النار، الذي تم الاتفاق عليه سنة 1974، ومن سفالة التحليل الخفيف هو عدم ذكر خلفيات موافقة حافظ الأسد على وقف النار رغم أنه كان منتصرا. لقد كشف كيسنجر عن التهديد بضرب دمشق بأسلحة كيماوية. ولم تتجرأ على قصف سوريا بالطيران إلا بعد فوضى الإرهاب، ومع ذلك طور منظومة دفاع حيث منع سنة 2018 بعد إسقاط طائرة حربية على العدو ولوج المجال الجوي. كانت تهاجم من سماء لبنان أو من البحر.
سوريا الجديدة منتهكة وتم تدمير سلاحها واحتلال مزيد من الأراضي.
ويضاف إلى ذلك أنها لم تدخل إلى محور الحريات. ما حدث في الساحل السوري يعد جرائم ضد الإنسانية. الجولاني عين نفسه رئيسا لمدة خمس سنوات. مرحلة انتقالية طويلة. وكتب إعلانا دستوريا دون مشاركة أحد وهو من يعين البرلمان خلال المرحلة الانتقالية. وفي الحقوق يوجد آلاف المعتقلين في وقت لا توجد فيه محاكم.
كانت سوريا الأسد مع المقاومة الفلسطينية، وجاء النظام الجديد ليعلن أنه غير معني بالفلسطينيين. واعتقل قيادات من الجهاد الإسلامي وحقق مع طلال ناجي، الأمين العام للجبهة الشعبية القيادة العامة، وسلم إسرائيل رفات الجندي الذي تم نقله أثناء معركة “السلطان يعقوب” كما تم العثور على وثائق تعود إلى أشهر جاسوس إسرائيلي إيلي كوهن.
خرجت سوريا من محور المقا..ومة ولم تدخل محور الحريات.

4- ما الذي يراد من سوريا؟ ما هو المخطط لها؟ كيف انتقل الجولاني من إرهابي إلى رئيس للأمر الواقع يستقبله زعماء العالم؟ كيف تم رفع جبهة النصرة من قوائم الإرهاب ورفع العقوبات دون تدرج؟
يعتبر رفع العقوبات عن الشعب السوري حقا لأن هذه العقوبات ظالمة من أصلها. لكن لماذا انتقلت واشنطن من مسار تدريجي أعلنت عنه في البداية إلى رفع كل العقوبات بشكل كلي؟ واشنطن لا تعطي شيئا بالمجان. هي مثل العقرب لا تعطي إلا السم.
لم تكتف بذلك بل أعلنت عن استعدادها التخلي عن الأكراد، الذين استثمرت فيهم طوال سنوات. حيث أكد المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس باراك (سفير وشريك لترامب في العقارات) أن قوات سوريا الديمقراطية تشعر أن على واشنطن التزاما تجاهها ولكننا لسنا ملزمين إذا لم يكونوا منطقيين. والمنطقي حسب باراك هو التخلي عن مبدأ الفيدرالية والاندماج في الجيش السوري. وهذا الذي ما زالت قسد ترفضه.
والغريب أن كل الشروط التي وضعتها أمريكا من أجل رفع العقوبات على حكومة الجولاني تخلت عنها.
كان المطلوب رفع اسم الجولاني من الإعلان الذي يحدد قيمة 10 ملايين دولار لمن يدل عليه. فرغم التعامل معه ظل الإعلان قائما. تم رفع اسمه عن قائمة الإرهاب وأيضا رفع بعض الأسماء القيادية من قائمة الإرهاب. لكن أمريكا اليوم ذهبت بعيدا رفعت جبهة النصرة عن قائمة الإرهاب.
جبهة النصرة الجماعة الأم التي انبثقت عنها هيئة تحرير الشام قبل تهذيبها. بمعنى كل تاريخ الجولاني ومن معه من إرهابيين عالميين أصبح أبيضا بإعلان للبيت الأبيض.
ولم يعد مطلب طرد المقاتلين الأجانب مطروحا، بل تم السماح له بإدماجهم وتجنسيهم ومنح بعضهم رتبا عالية في الجيش في الأمن.
هذا يعني توطين آلاف الإيغور والأوزبك والشيشان بسوريا.

5- هذه القنبلة التي يتم إعدادها لابد وأن تنفجر يوما ما. أمريكا تخلت عن كل مطالبها وسمحت للجولاني بكل شيء، ليس لسواد عيونه ولكن لقيمة الدور الذي تخطط له. فحتى التطبيع ليس مطروحا اليوم. ويبدو أن إسرائيل قد لا تضغط في هذا الاتجاه لأن التطبيع بضم الجولان سيكون كارثيا وبالتالي الاقتصار على التنسيق الأمني وهو جار على قدم وساق.
إعادة توطين الإرهابيين وجلب عدد آخر سيجعل من سوريا إمبراطورية “للجهاد العالمي”. ستعود أمريكا لقيادة “المجاهدين” كما فعلت سنة 1980 مع الأفغان.
الجهاديون بسوريا سيكونون عنصرا بيد واشنطن لضرب خصومها، سيكون الكل هدفا لهم إلا إسرائيل، وهكذا مؤكد من تاريخهم الطويل إذ لم يقوموا بعملية واحدة داخل الأراضي المحتلة.
تزامن هذا مع مطالب إسرائيلية وأمريكية بنزع سلاح الحزب، تم التهديد الفج الذي أطلقه المبعوث الأمريكي، الذي قال إذا لم تقم الحكومة اللبنانية بذلك فإن لبنان سيكون مهددا وجوديا. الوسيلة هو الحركات الإرهابية. لكن الحزب يعرف كيف يقاتل الجيوش النظامية، حيث حشدت إسرائيل حوالي 70 ألف جندي ولم تتقدم خطوة واحدة ولمدة شهرين، في منطقة تعتبر في العرف ساقطة عسكريا بحجم الكثافة النارية المدفعية وعبر الطيران الحربي. كما يعرف جيدا كيف يحارب الجماعات التكفيرية وسطر ملاحم في القصير وغيرها.
وقد يكون العراق أيضا هدفا، غير أن تجربة الحشد الشعبي، الذي كان حله مطلبا أمريكيا، علم العراقيين كيفية التعامل مع الإرهابيين.
هذه القنبلة يمكن استعمالها أيضا كتهديد لروسيا بحكم استقطابها لآلاف الشيشانيين كما يمكن استعمالها ضد الصين لاستقطابها آلاف الإيغور. لكن الذي ليس على بال أحد هو أنها قد تنفجر في وجه تركيا، التي يبدو أنها بدأت تستشعر الخطر بذهاب الجولاني بعيدا في تنفيذ أجندات لا تخدم طموحات أردغان في “العثمانية الجديدة” لأن إمبراطورية “الجهاد العالمي” هي دولة الأمويين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى