صحة

أزمة صحة أم أزمة ضمير سياسي؟ ترتيب دولي صادم يدق ناقوس الخطر

  بقلم: حميد قاسمي-تنوير

في أحدث تصنيف دولي للرعاية الصحية، حلّ المغرب في المرتبة 94 من أصل 99 دولة، ضمن مؤشر يرصد أداء المنظومات الصحية عبر العالم، وهو ترتيب صادم يكشف عمق الخلل الذي يعتري واقع القطاع الصحي الوطني. فقد حصل المغرب على 47 نقطة في مؤشر جودة الخدمات الصحية، مقابل 80.6 نقطة على مستوى هيكلية النظام الصحي، وهو ما يعكس وجود فجوة شاسعة بين الإطار النظري للسياسات الصحية وما يُترجم منها فعليًا على أرض الواقع.

هذا الترتيب لا يمكن النظر إليه كأرقام عابرة كعبور سحابة صيف، بل هو ناقوس خطر يفرض علينا التوقف الجاد لمساءلة السياسات العمومية، وطرح أسئلة مشروعة تُعبّر عن قلق المواطنين وتطلعاتهم:

أين تصرف الاعتمادات المالية الضخمة التي تخصصها الدولة سنويًا للقطاع الصحي؟
لماذا لا تنعكس هذه “الهيكلية الجيدة” المفترضة على جودة الخدمات الطبية في المستشفيات العمومية؟
ما الذي يعوق تفعيل البرامج الصحية التي تُطلق وتُروّج مع كل استحقاق انتخابي؟
كيف يمكن تفسير هذا التناقض بين الشعارات الرسمية التي تتغنى بالإصلاح الشامل، وبين واقع مستشفيات تُهان فيها كرامة المواطن، وتغيب فيها أبسط شروط النظافة والتجهيز؟
هل يُعقل أن يظل المواطن المغربي، في زمن الرقمنة والتقدم التكنولوجي، مضطرًا لبيع ممتلكاته أو اللجوء إلى الاقتراض أو التسول أحياناً لتغطية تكاليف العلاج؟
وأين هي العدالة المجالية التي تضمن لسكان العالم القروي والمناطق الجبلية حقهم في الولوج إلى خدمات صحية عادلة ومحترمة على غرار ما يُقدم في المدن الكبرى؟

إن هذا التصنيف الدولي لا يجب أن يُقرأ كحدث عابر، بل كمرآة تعكس هشاشة الواقع الصحي، وصورة واضحة لفشل السياسات العمومية في تحقيق الحد الأدنى من العدالة الصحية. هو شهادة إدانة لسنوات من التسيير المرتجل والتدبير غير الرشيد لملف يُفترض أن يكون في صدارة الأولويات الوطنية.

إننا اليوم لا نحتاج إلى مزيد من التصريحات الإنشائية، ولا إلى تزيين الواقع بأرقام براقة تخفي خلفها المعاناة؛ بل نحن في أمسّ الحاجة إلى إرادة سياسية صادقة تعيد ترتيب الأوراق، وتجعل من صحة المواطن أولوية مركزية لا بندًا ثانويًا في جداول السياسات العمومية.

لقد آن الأوان لنعترف بأن الأزمة ليست فقط أزمة بنية تحتية أو موارد بشرية أو ميزانيات، بل هي قبل كل شيء، أزمة ضمير سياسي غائب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى