في خطابه السامي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، أطل جلالة الملك محمد السادس نصره الله مساء الاثنين 29 يوليوز 2025 بخطاب يتجاوز الطابع الاحتفالي والمناسباتي، ليحمل ملامح تقييم صريح لراهن البلاد، وتوجيه استراتيجي لما ينبغي أن تكون عليه الأولويات الوطنية خلال المرحلة المقبلة.
تحدث جلالة الملك بلغة الأرقام والواقع، مؤكداً أن النمو المحقق لا يكفي، وأن ما ينتظره المواطن هو أثر ملموس على جودة حياته، خصوصاً في مجالات الشغل، الصحة والتعليم. فالاقتصاد المغربي حقق نموا بنسبة 3.8%، لكنه لم يُترجم إلى فرص حقيقية للشغل، إذ لا تزال البطالة تحوم عند 13.3%، وهي نسبة تعكس حجم التحديات الاجتماعية، خاصة في صفوف الشباب.
فالرسالة كانت واضحة: ليس المهم أن نُراكم المؤشرات ونعد الاحصائيات، بل أن نربط بين الاقتصاد والعدالة المجالية والاجتماعية، وأن نجعل من الدولة الاجتماعية التزامًا عمليًا وليس فقط شعارًا ظرفيًا.
ومن أبرز مفاجآت الخطاب، الإعلان عن عفو ملكي همّ ما يقرب من عشرين ألف محكوم، منهم من صدرت في حقهم عقوبات بالإعدام والسجن المؤبد. إذ يحمل هذا القرار في طياته رسالة إنسانية قوية، تؤكد أن الدولة، رغم صرامتها، لا تغفل البُعد الأخلاقي والوجداني، وأن الإدماج وإعادة الأمل قد يكون أحياناً أنجع من العقاب.
وفي فقرة لافتة، حمّل الخطاب السامي مؤسسات الدولة مسؤولية تقليص الفوارق بين الجهات، ودعا بشكل مباشر إلى إطلاق جيل جديد من الإصلاحات الاجتماعية. حيث تعد تذكيرا بأن المغرب لن يكتمل إلا بعد إنصاف المناطق التي بقيت لعقود خارج دائرة التنمية والاهتمام، وبأن بناء مغرب جديد لن يتم من الرباط والدار البيضاء فقط، بل من بوادي فكيك، ومرتفعات الحسيمة، وهضاب بني ملال.
ثم عاد الخطاب الملكي ليؤكد الثوابت الوطنية في ملف الصحراء، مع تسجيل اتساع دائرة الدعم الدولي للمقترح المغربي بالحكم الذاتي. كما جدّد جلالة الملك دعوته إلى الجزائر من أجل حوار مسؤول، في لغة تتسم بالثبات والهدوء، ما يعكس استمرار المغرب في تبني دبلوماسية اليد الممدودة والحكمة السياسية في محيط إقليمي معقد.
أخيرا يمكن القول أن خطاب جلالةالملك هذه السنة بالإضافة إلى كونه تقليدا دستوريا، كان موقفًا وضميرًا حيًا لدولة تعرف ما لها وما عليها. وقد بدا الملك أقرب إلى نبض المواطنين، وأكثر حساسية تجاه تعقيدات الواقع، مما يضع الكرة في ملعب الفاعلين الحكوميين، والمؤسسات المنتخبة، والنخب المحلية. فهل ستتحرك الآليات العمومية لترجمة هذه الرؤية إلى برامج فعلية؟