مشروع وثيقة مرجعية انتخابية للحركة الاتحادية الديمقراطية

بقلم: الأستاذ مصطفى المنوزي
تمهيد
إن الزمن الانتخابي لم يعد مجرد محطة دورية لتجديد النخب السياسية، بل أصبح مشتركًا وطنيًا يتقاطع حوله كل الفاعلين الديمقراطيين. وهو بالنسبة لليسار، وللحركة الاتحادية الديمقراطية على وجه الخصوص، ليس غاية في ذاته، بل وسيلة لترسيخ التمرين الديمقراطي وتوسيع دائرة المشاركة السياسية والرقابة الشعبية، بما يجعل من كل دورة انتخابية لبنة في مسار تحديث المجتمع ودمقرطة الدولة.
أولاً: من الافتتان بالوحدة إلى بناء التراكم
لقد ظل جزء كبير من اليسار أسير وهم القفز مباشرة إلى مرحلة الوحدة كقفزة نوعية، دون إدراك أن أي تحول نوعي هو ثمرة تراكم كمي طويل، يشمل تجذير العمل النقابي والحقوقي، توسيع الحضور الثقافي والاجتماعي، وترسيخ خطاب عقلاني في مواجهة الاستبداد والشعبوية. إن القفز على هذه التراكمات لا ينتج وحدة، بل وثبة في الفراغ، وإعادة إنتاج للانقسام.
ثايًا: درس الحركة الاتحادية الديمقراطية
تُظهر تجربة الحركة الاتحادية الديمقراطية أن الوحدة السياسية والتنظيمية لا تُفرض بقرار فوقي أو توافق ظرفي، بل تُبنى على أرضية تراكمية صلبة تجمع بين الكفاءات التنظيمية، القاعدة الشعبية المتجذرة، والثقافة الحزبية المشتركة. وأي إغفال لهذه الشروط الموضوعية يؤدي إلى صراعات داخلية وتراجع القدرة على المبادرة. إن التحول النوعي لا يتحقق إلا عبر مسار طويل من التراكم الفكري والميداني، وإدارة المشترك القيمي – الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، التحرر من التبعية – بوصفه المدخل الحقيقي لتدبير الاختلاف.
ثالثًا: إعادة تعريف العلاقة مع الدولة
أول خطوة عملية في هذا المسار هي فصل القضايا السيادية والأمنية الكبرى – التي ما زالت الدولة تحتكرها – عن الهم الانتخابي اليومي. فالتجربة المغربية بينت أن إدماج هذه الملفات ضمن منطق المحاصصة الانتخابية يُفرغ الانتخابات من مضمونها، ويحوّل الأحزاب إلى منفذين لا صانعين للقرار. لذلك، لا بد من معالجة أزمة المقاربة التشاركية في مجالات حساسة مثل التشريع المالي، السياسة الاقتصادية، الحكامة الأمنية، والسياسة الخارجية. بدون إدماج هذه الملفات في دائرة النقاش العمومي، يظل الزمن الانتخابي مجرد طقس لإعادة إنتاج الشرعية.
رابعًا: استراتيجية تراكمية للإصلاح
إن الرهان ليس انتزاع كل الصلاحيات دفعة واحدة – فذلك وهم إرادوي – بل بناء استراتيجية تراكمية تبدأ بفرض الشفافية والمساءلة في القرار المالي والتشريعي، ثم تتوسع تدريجيًا لتشمل قضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية، وفق منطق “المشترك الممكن” الذي يحافظ على استقرار الدولة ويعمق في الآن ذاته مسار الدمقرطة.
خامسًا: تقسيم الأدوار داخل اليسار
لا يقتصر تجديد المشروع اليساري على توزيع المواقع بين المشاركة والمعارضة، بل يشمل تقسيمًا وظيفيًا للأدوار: جزء ينخرط في التدبير الحكومي لتجسيد الإصلاحات الممكنة، وجزء آخر يواصل موقعه في المعارضة والمجتمع المدني لضمان المساءلة وحماية المشترك. وبهذا يتحول الاختلاف إلى تكامل استراتيجي، ويُعاد تعريف الذات اليسارية كقوة فكرية وتنظيمية قادرة على إنتاج البدائل.
خاتمة: التمرين الديمقراطي كأفق
إن الانتخابات، بالنسبة للحركة الاتحادية الديمقراطية، ليست فقط منافسة على المقاعد، بل تمرين ديمقراطي متدرج، هدفه تحديث المجتمع ودمقرطة الدولة. كل دورة انتخابية هي خطوة تراكمية نحو بناء تعاقد سياسي واجتماعي جديد: تعاقد يجعل من المشترك الوطني قاعدة للتوافق، ومن الاختلاف رافعة للإبداع السياسي. وبهذا المعنى، فإن الزمن الانتخابي ليس نهاية، بل وسيلة لتقريب الهوة بين الدولة والمجتمع، وإرساء أسس الديمقراطية الراسخة.