وجهة نظر

استمرار عز الدين الميداوي على رأس القطاع ينذر ب “هزة” غير مسبوقة -عبد الحق غريب

  أكاد أبصم بالعشرة أن قطاع التعليم العالي لم يعرف في تاريخه مستوى من المزاجية والعبث في التسيير والاستخفاف بالشركاء الاجتماعيين وإهدار الوقت كما يشهده اليوم في عهد الوزير عز الدين الميداوي.

الإشارة التي بعث بها الوزير خلال حفل تسليم السلط مع عبد اللطيف ميراوي كانت كافية لفهم طبيعة الرجل وعقليته، إذ سجل التاريخ ولأول مرة في هذا التقليد الرسمي، امتناع وزير عن مصافحة سلفه، في مشهد صادم وغير مسبوق يفتح الباب واسعا أمام عدد من الأسئلة المقلقة.

منذ الأيام الأولى لتعيينه، بدا واضحا أن الميداوي لم يأت لإصلاح التعليم العالي بقدر ما جاء لتنفيذ أجندة واضحة، مفادها تصفية تركة سلفه عبد اللطيف ميراوي وإعادة توزيع النفوذ عبر تنصيب المقربين والموالين لحزبه.

في هذا السياق، افتتح ولايته بحملة إقالات واسعة شملت مسؤولين مركزيين في الوزارة منذ الأيام الأولى لمباشرة مهامه، وصولا إلى سبعة مسؤولين داخل الجامعات (رئيسا جامعتين ورئيسان بالنيابة وعميدان ومدير مدرسة)، في وقت وجيز وفي سابقة لم يعرفها المغرب من قبل.

ولم يقف الأمر عند حدود الإعفاءات، بل تحول إلى مخطط محكم لزرع الولاءات الحزبية والشخصية في مواقع القرار، من خلال تعيين مقربين في مختلف المناصب الحساسة، أبرزها حالة رئيس جامعة ابن زهر بأكادير، الذي كان اسمه متداولا على أوسع نطاق، منذ الإعلان عن فتح باب الترشيحات (25 يناير 2025) إلى غاية صبيحة يوم المصادقة في المجلس الحكومي (28 غشت 2025).

تخيلوا حجم العبث : نفس الاسم الذي تم تداوله على أوسع نطاق، في الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي ووسط الرأي العام الجامعي طيلة أكثر من سبعة أشهر، من ضمن 26 مترشحا، هو نفسه الذي صادق عليه المجلس الحكومي، في مشهد صادم ومستفز يفتقد إلى أبسط قواعد الشفافية والأخلاق… وكأن لسان حال الوزير يقول : “طز على الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي والرأي العام”.

والأخطر من ذلك أن بعض المسؤولين الذين تمت إقالتهم من مهامهم في عهد الوزير السابق عبد اللطيف ميراوي بسبب سوء التدبير المالي وتحوم حولهم شبهات، أُعيد تعيينهم في عهد الوزير عز الدين الميداوي، نذكر على سبيل المثال المدير الحالي للمدرسة العليا للأساتذة بمكناس، مما يثير تساؤلات عميقة حول معايير النزاهة والمصداقية في اختيار المسؤولين.

هذا النهج، المتسم بالمزاجية والاستعلاء وتجاهل الضوابط والأعراف، لم يقتصر أثره على التعيينات فقط، بل امتد إلى مختلف مجالات التدبير المؤسسي، مثل تمرير مشروع القانون المنظم للتعليم العالي ودفاتر الضوابط البيداغوجية دون إشراك النقابة الوطنية للتعليم العالي أو أي من المركزيات النقابية، في خطوة أثارت غضبا واسعا ودفع النقابات والطلبة إلى خطوات تصعيدية.

من ضمن هذه الخطوات التصعيدية، نذكر إعلان النقابة الوطنية لموظفي التعليم العالي والأحياء الجامعية المنضوية تحت لواء الكنفدرالية الديمقراطية للشغل عن اضرابات متتالية ووقفات احتجاجية طيلة شهر شتنبر الجاري، ودعوة المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي اللجنة الإدارية للاجتماع يوم 14 من نفس الشهر من أجل اتخاذ الخطوات اللازمة للضغط من اجل سحب مشروع القانون وحث الوزير على المنهجية التشاركية، بالإضافة إلى إعلان تنظيمات طلابية عن استعدادها خوض برنامج نضالي يشمل إضرابات وطنية واحتجاجات ضد قرارات الميداوي.

ماذا أنجز الوزير الميداوي ونحن على أبواب إتمام سنة كاملة على تعيينه ؟
ليس هناك إنجاز يُذكر..
الإنجاز الوحيد الذي يمكن تسجيله هو أنه أجج الوضع في الجامعة العمومية ونجح في توحيد النقابة الوطنية للتعليم العالي والمركزيات النقابية والاتحاد الوطني لطلبة المغرب وتنظيمات طلابية في جبهة واحدة للدفاع عن استقلالية الجامعة ومجانية التعليم..
الانجاز الوحيد الذي حققه الوزير الميداوي هو رص صفوف مكونات الجامعة العمومية لمواجهة عبث ومزاجية تسييره وقراراته الانفرادية التي فجرت غضب كل الأطراف وفضحت مخططاته ونواياه وأسلوبه في إدارة قطاع استراتيجي.

في الختام، وبناء على ما سبق، تبدو السنة الجامعية 2025-2026 مرشحة لتكون سنة التوتر والاحتقان، مع ما قد يرافقها من إضرابات واحتجاجات وربما شلل كامل، في ظل وزير لا يؤمن بالحوار ولا يحترم قواعد التشارك.. ويُصر على استفزاز الجميع.

إن استمرار الميداوي على رأس القطاع ليس مجرد خطأ في التقدير، بل قد يكون وصفة مكتملة لانفجار اجتماعي وسياسي داخل الجامعة العمومية، ربما يتجاوز حدود الحرم الجامعي (مجانية التعليم) ليهدد الاستقرار الاجتماعي برمته.

فهل من إرادة حقيقية لتصحيح المسار قبل فوات الأوان ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى