أخبار وطنية

االزفزافي يسقط الأحزاب بتفنيده تهمة الانفصال.. هل نقترب من طيّ صفحة حراك الريف وجرادة؟

متابعة: عزيز الدروش
في لحظة إنسانية قوية ومحمّلة بالرمزية، وقف ناصر الزفزافي، زعيم حراك الريف، مخاطبًا المشيعين في جنازة والده، بكلمات اتسمت بالهدوء والرزانة، لكنها حملت في طياتها دلالات سياسية ثقيلة. الزفزافي، الذي كان لسنوات عنوانًا لاحتجاجات اجتماعية مطالِبة بالكرامة والتنمية، فجّر مفاجأة حين تحدث بإيجابية عن “دور المندوبية العامة للسجون”، وأكد استعداده للتضحية من أجل الوطن من “طنجة إلى الكويرة تحت راية المملكة المغربية الموحّدة”.
هذه العبارة لم تمرّ مرور الكرام. ففي وقتٍ ظلّت فيه السلطة وبعض التيارات الحزبية البئيسة تلوّح بورقة “الانفصال” لتبرير المقاربة الأمنية في مواجهة الحراك الذي كان من اسبابه فشل حكومة العدالة والتنمية في تنزيل المشاريع التنموية في الريف، يأتي تصريح الزفزافي ليُسقط هذه التهمة من جذورها، ويفتح الباب واسعًا أمام إمكانية طيّ صفحة الحراك وإطلاق مصالحة وطنية حقيقية.
كلمات الزفزافي… رسائل مشفّرة ومباشرة
توجّه الزفزافي للجمهور الحاضر لم يكن خطاب وداع فقط، بل بدا وكأنه يمهّد لمرحلة جديدة وعهد جديد. فالرجل، الذي خضع لحكم قاسٍ وصل إلى 20 سنة سجنًا نافذًا بسبب الاغلبية الحكومية، ما يزال حاضرًا في الوجدان الشعبي كرمزٍ للحرية وللكرامة والعدالة الاجتماعية. وها هو اليوم، يمدّ يده متفوها بخطاب وحدويّ، دون تخلٍ عن مطالبه، ولكن بواقعية سياسية تستحق الوقوف عندها.
هل كان هذا الخطاب بتنسيق مع جهات رسمية؟ هل هو بداية للتمهيد للعفو؟ أم أنه ردّ مباشر على محاولات إلصاق الانفصال بالحراك؟ الأكيد أن تصريح الزفزافي لا يمكن عزله عن المتغيرات الإقليمية والوطنية، خصوصًا مع تنامي الأصوات الداعية لإطلاق المعتقلين السياسيين كشرط ضروري لأي مصالحة شاملة.
الأحزاب السياسية: الغياب الكبير
المثير في هذا المشهد كله هو الغياب التام للأحزاب السياسية، سواء من الموالاة أو المعارضة. لقد سقطت هذه الأحزاب في الاختبار الأخلاقي والوطني عندما تخلّت عن دورها الدستوري في الدفاع عن الوطن و أبنائه، وفضّلت الاصطفاف خلف سردية الانفصال، التي روّجت لها حكومة العثماني الفاشلة والمضللة، مستعملة إياها كذريعة لقمع مطالب اجتماعية مشروعة.
والأدهى أن بعض الأحزاب التي من المفترض أن تمثّل صوت الشعب، هي من كانت سبّاقة لتخوين الزفزافي ورفاقه. هذا الصمت المُريب، بل هذا التواطؤ، يكشف حجم الإفلاس السياسي والأخلاقي للأحزاب السياسية، ويؤكد أن الأحزاب لم تعد وسيطًا حقيقيًا بين الدولة والمجتمع، بل مجرّد دكاكين انتخابية عاجزة حتى عن إصدار موقف شجاع او الاعتذار لشباب الريف من أجل رد الاعتبار.
هل نشهد بداية الانفراج؟
كلمة الزفزافي تزامنت مع تصاعد النقاش داخل الأوساط الحقوقية والسياسية حول ضرورة الإفراج عن معتقلي الريف وجرادة وباقي الحراكات الاجتماعية، خصوصًا في ظل رغبة الدولة في التوجه نحو نموذج تنموي جديد. لكن لا تنمية بدون مصالحة، ولا مصالحة بدون عدالة انتقالية حقيقية تبدأ بــإطلاق سراح المعتقلين ومحاكمة المفسدين.
اليوم، توجد الكرة في ملعب الدولة. والمجتمع، بما فيه من نخب جادة و مستقلة، يراقب وبتساءل: هل ستُبادر الدولة إلى احتضان هؤلاء الشباب الذين ناضلوا من أجل مغرب أفضل، أم ستُفوّت مرة أخرى فرصة تاريخية لطي صفحة مؤلمة؟
خلاصة: الزفزافي انتصر أخلاقيًا على النخب الحزبية الفاشلة والمضللة والانتهازية. ومهما قيل عن الزفزافي، فقد أثبت أنه الرجل رقم وازن في معادلة لا يمكن تجاوزها في أي نقاش حول مستقبل الحركات الاجتماعية في المغرب. كلماته الأخيرة تُعبّر عن نُضج سياسي وإنساني، وتضع الدولة والأحزاب أمام مسؤولية تاريخية: إما المصالحة، أو الاستمرار في الهروب إلى الأمام.
إن المغرب بحاجة إلى أصوات صادقة لا تُجيد التطبيل، بل تمتلك الشجاعة لقول الحقيقة مهما كانت مُكلفة. وفي هذا السياق، تبقى دعوة الزفزافي إلى لوحدة الوطنية أقوى من كل حملات التخوين. فهل من مُجيب؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى