وجهة نظر

التقرير يلمّع الصورة.. والواقع يفضح الحقيقة

حميد قاسمي-تنوير

السيد المندوب السامي،

جميل أن تُسطَّر التقارير وتُرصَّع بالأرقام والنسب المئوية، لكن الأجمل أن تنزل إلى الواقع، إلى الأسواق الشعبية والمستشفيات العمومية، لترى حقيقة ما يعانيه المواطن البسيط وما يصادم تقريرك هذا حقيقة المجتمع…

تعال إلى المارشي، وانظر بأمّ عينك كيف تغيّر حال الناس: بعدما كانوا يشترون القناطر المقنطرة من الخضر والفواكه، صاروا اليوم يقتنون حبّات معدودة؛ اثنتان من البطاطس، واحدة من الطماطم، وأخرى من البصل. أمّا اللحم، فقد أصبح حلماً بعيد المنال لا يراه إلا علية القوم، إذ تجاوز ثمن الكيلوغرام الواحد مئة درهم. حتى الدجاج الذي كان في متناول الفقير، صار بدوره طائراً عالياً فوق قدرته الشرائية.

فقل لي بالله عليك: بهذا الغلاء، هل فعلاً قضيتم على الفقر؟ ..

بأيّ منطق؟ ..

وبأيّ ميزان؟ ..

وأيّ تقارير هذه التي لا تعكس حاجة المواطن ولا مرارة العيش وقساوة الحياة والغلاء الذي أصبح يلهب جيوب المواطنين كل يوم؟

ثم هلمّ إلى المستشفيات العمومية، لترى الطوابير الطويلة، والأسِرّة المهترئة، والوجوه المكضَّرة التي أكلها الانتظار، والأرواح التي تستغيث وتقول غيثنا يا غياث، رى الروح مشات، فلا تجد من يغيثها. فهل هذا هو النظام الصحي الذي تتغنّون به؟ ..

وهل هذه هي العدالة الاجتماعية التي تعدّون بها؟

ادخل أحياء الصفيح، لتلتقي أناساً لا سكن لهم ..

ولا مورد يقيهم مذلّة السؤال، يكابدون الليل والنهار من أجل أداء كراء بيت رثّ أو غرفة ضيّقة. أهذا هو الكرامة التي بشّرتم بها؟ ..

أهذا هو السكن اللائق الذي أعلنتم عنه؟

وإن أردت مزيداً من الشهادة الحيّة، فمرّ أمام المساجد أو جُلْ في شوارع الرباط، وسترى بأمّ عينك جموعاً من ذوي الإعاقة، يمدّون أياديهم طلباً للصدقة. فأيّ فقرٍ مدقعٍ هذا الذي تقولون إنكم قضيتم عليه؟ ..

وهل يُعقل أن تختفي الحقيقة من الواقع لتظهر مزخرفة في تقرير؟

ثم تعال إلى أبواب المدارس مع بداية الموسم الدراسي، لتسمع أنين وآهات الآباء والأمهات أمام غلاء الأدوات المدرسية، وما يخلفه أحياناً من هدر وحرمان وتسرّب مدرسي متزايد. فهل بهذه الظروف نبني أجيال الغد؟ ..

وهل بهذه الأعباء نُعِدُّ للمستقبل؟

فيا سعادة المندوب السامي، إن الأرقام قد تُحسّن صورة التقرير، صحيح، لكنها لا تستطيع أن تخفي أو تحجب مرارة الواقع.

وفي الختام أقول: إذا لم تستحِ يا سعادة المندوب السامي فقل ما شئت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى