مجتمع

المرصد الوطني للجريمة: 878 قضية تتعلق بتعاطي مخدر البوفا خلال ثلاث سنوات و15% من الشباب الحضري متضررون

أحمد رباص – تنوير
في غضون ثلاث سنوات فقط، تم التعامل مع 878 قضية تتعلق بالبوفا، وأُلقي القبض على أكثر من ألف شخص. الكميات المضبوطة في ازدياد: 493 گرام في عام 2022، وأكثر من 8 كيلو في عام 2023، و9.7 كيلو في عام 2024.
هذا المخدر الاصطناعي المحلي، الملقب بـ”كوكايين الفقراء”، يؤثر الآن على 15% من شباب المدن. وقد دُقّ ناقوس الخطر في مواجهة الانتشار السريع لهذه الآفة، التي باتت تُهدد الصحة العامة.
نشر المرصد الوطني للجريمة، التابع لوزارة العدل، تقريرين مثيرين للقلق حول انتشار “البوفة”، وهو مخدر منزلي الصنع ينتشر في العديد من الأحياء الحضرية الهشة. هذا المخدر الرخيص، الذي ظهر عام 2020، مصنوع من بقايا الكوكايين الممزوجة بمواد كيميائية خطرة – أحماض البطاريات، والمبيدات الحشرية، والمذيبات. عرف هذا المخدر الرخيص نموا سريعا.
“كوكايين الفقراء” متاح ومدمر
الأرقام تتحدث عن نفسها: 493 گرام ضُبطت في عام 2022، وأكثر من 8 كيلو في عام 2023، و9.7 كيلوغر في عام 2024. وبالتفصيل، ومن خلال استغلال البيانات الإحصائية العامة المتعلقة بمكافحة هذه المادة، يبدو أنه خلال الفترة من يناير 2022 إلى ديسمبر 2024، تمكنت أجهزة الأمن الوطني والدرك الملكي من معالجة 878 قضية، مما أدى إلى اعتقال 1044 شخصا وحجز أكثر من 18 كيلو من مادة “البوفة”.
في عام 2022، تم ضبط 493 گرام من هذه المادة. وعلى مر السنين، زادت الكميات المصادرة بشكل مطرد، لتصل إلى 8014 گرام في عام 2023. يعكس هذا التوجه المتزايد توسع قنوات الإنتاج وزيادة الطلب، ويكشف عن تحسن ملحوظ في كفاءة الأجهزة الأمنية، التي تعتبر “البوفة” أولوية رئيسية في تدخلاتها. وهكذا، وصلت الكميات المضبوطة في عام 2024 إلى رقم قياسي بلغ 9697 گرام.
وفي الوقت نفسه، يُظهر تطور عدد الأشخاص الذين تم القبض عليهم انتشارا واسعا لهذه المادة المخدرة في بيئات اجتماعية مختلفة. فبعد القبض على 92 شخصا في عام 2022، ارتفع العدد إلى 482 في عام 2023، قبل أن ينخفض ​​​​قليلاً إلى 470 في عام 2024. وتشير البيانات إلى أن غالبية المعتقلين يتركزون في المناطق الحضرية، ويمثلون ما يقرب من ثلاثة أرباع الحالات، مما يؤكد شيوع استعمال هذه المادة المخدرة في بعض الأحياء الهشة والضعيفة اجتماعيا.
وفي ما يتعلق بالملف الاجتماعي والديموغرافي، يبدو أن 88.9٪ من المتورطين هم من الذكور و91.28٪ ينتمون إلى الفئة العمرية من 18 إلى 55 عاما، أي السكان النشطين. وهناك نسبة كبيرة غير ملتحقين بالمدارس أو لديهم مستوى تعليمي محدود للغاية، مما يعكس هشاشة اجتماعية تجعلهم أكثر عرضة للخطر. وفقاً لتقديرات المرصد الوطني للجريمة، فإن ما يقرب من 15% من الشباب القاطنين في المناطق الحضرية متضررون اليوم بشكل مباشر أو غير مباشر من هذه الآفة.
من الناحية الاقتصادية، فإن غالبية المتورطين عاطلون عن العمل أو يعملون في القطاع غير المهيكل، مما يحد من قدرتهم على تحمل المخاطر المرتبطة بتعاطي هذا المخدر أو اتخاذ قرارات مدروسة في مواجهة مخاطره. تكشف هذه الملاحظة أن “البوفة” تجذب بشكل خاص الفئات الاجتماعية المحرومة، المتضررة من الهشاشة والتهميش. غالبًا ما يكون هؤلاء شبابا غير مؤهلين، أو خريجي مدارس، أو حتى متعاطين سابقين تحولوا إلى منتجين لتحقيق دخل سريع وسهل، على حساب صحتهم ومستقبلهم.
ينتشر استعمال البوفا بسرعة كبيرة لأنها مخدر سهل الصنع ومكوناته متوفرة بسهولة في السوق المحلية. يسبب هذا الكوكتيل الكيميائي، سواء تم تدخينه أو استنشاقه، تأثيرات نفسية سريعة ولكنها ضارة للغاية: الإدمان المفاجئ والاضطرابات العصبية والاضطرابات النفسية والتدهور البدني المتسارع. تسلط التقارير الضوء على دوره المتزايد في الجريمة الحضرية والهدر المدرسي والتهميش الاجتماعي.
وتجدر الإشارة إلى أن ظهور البوفا هو جزء من اتجاه عالمي. حذرت الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات ينة 2024 من التوسع السريع للمخدرات المصنعة. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تكلف أزمة الفنتانيل 1.5 تريليون دولار كل عام وتتسبب في وفاة أكثر من 100000 شخص. في أوروبا، تم تحديد 16 مخدرا صناعيا جديدا في عام 2023. يواجه المغرب، مع البوفا، جبهته الخاصة في هذه الحرب العالمية.
يجب تعزيز الاستجابة الأمنية
جعلت السلطات المغربية هذه المادة المخدرة أولوية أمنية. الإجراءات المتخذة على أرض الواقع ملموسة للغاية: تفكيك الشبكات باستخدام تقنيات متطورة، والتعاون الدولي مع الإنتربول، تعزيز مراقبة المناطق الحساسة، حملات الوقاية في المدارس. لكن الخبراء يحذّرون من أن المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي.
فالترسانة القانونية، المصممة للقنب أو الكوكايين، ما تزال غير مناسبة للمخدرات الاصطناعية. وتؤكد التقارير على ضرورة تحديث قانون عام 1974، وتعريف هذه المواد الجديدة بوضوح، وتنظيم المنتجات الكيميائية الأساسية، وتسهيل تطبيق الأمر القضائي العلاجي. كما تشير إلى نقص التنسيق بين الجهات الفاعلة (العدالة، الأمن، الصحة، والتعليم) ونقص الموارد المخصصة للرعاية الطبية.
وبعيدا عن الجانب الأمني، لا يزال يُنظر إلى استخدام البُوفا على أنه “خطأ أخلاقي” أكثر منه “مشكلة طبية”. هذه الوصمة تعيق الحصول على الرعاية، بينما غالبا ما تُفضّل العائلات إخفاء المشكلة. ولا تزال إعادة الإدماج المهني للأشخاص المدمنين شبه معدومة، مما يُفاقم دائرة التهميش.
ضرورة وجود خطة وطنية متكاملة لمكافحة هذه المخدرات
يوصي خبراء المرصد باستراتيجية وطنية من ستة محاور:
الإصلاح القانوني: تحديث القانون، وتشديد العقوبات على التصنيع المحلي، وتنظيم المواد الكيميائية الأولية.
تعزيز التنسيق: توسيع صلاحيات اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات وإنشاء هيئة توجيهية مركزية.

القدرات العلمية: تحديث المختبرات ووضع بروتوكولات علاجية تتكيف مع المخدرات الاصطناعية.
الرصد والإنذار المبكر: إنشاء شبكة رصد وطنية وتعزيز التعاون الدولي.
الوقاية والتوعية: حملات مُستهدفة في المدارس والأحياء المعرضة للخطر، ومكافحة الوصم الاجتماعي.
العلاج والبدائل: تسريع إنشاء مراكز إقليمية لإزالة السموم، وتطبيق عقوبات بديلة ينص عليها القانون، وتعزيز إعادة الإدماج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى