النقابة الوطنية للتعليم العالي تدعو إلى إضراب وطني احتجاجا على مشروع القانون 59.24

متابعة: أحمد رباص
بـدعوة من المكتب الوطني للنقابة الوطنيـة للتعليم العالي، انعقدت اللجنـة الإدارية يوم الأحد 14 شتنبر الجاري بكلية العلوم بالرباط، في ظرفية دقيقة يعرفها قطاع التعليم العالي والبحث العلمي.
هذه الظرفية مطبوعة بتمرير مشروع القانون59.24 في تغييب تام لمبدأ المنهجية التشاركية، وهو ما يشكل خطوة خطيرة تستهدف جوهر الجامعة العمومية عبر تكريس التهميش وفتح الباب أمام بدائل مؤدى عنها، بما يشرعن الخوصصة داخل النظام الجامعي، ويهدد مجانية التعليم العالي، ويضعف استقلاليته وديمقراطيته، من خلال تحويل مجالس الجامعات إلى هياكل شكلية أو استشارية فقط، وتعميق واقع التشتت المؤسساتي والبلقنة، مع تنصل الوزارة الوصية من التزاماتها السابقة تجاه النقابة وفي مقدمتها فتح حوار جاد حول ورش الإصلاح الشمولي لمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي. كما تواصل الوزارة نهجها الأحادي في تنزيل دفاتر الضوابط البيداغوجية الوطنية، في مسعى لفرض تغيير قواعد الحكامة الجامعية دون إشراك الهياكل المنتخبة، وهو ما يشكل استخفافا بالطابع التشاركي الضروري لأي إصلاح حقيقي.
وفي السـياق ذاته، استحضر الاجتمـاع أيضا إقدام وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضـة على إغلاق باب الحوار في وجه النقابة، واعتمادها سياسة التدبير الأحادي لمختلف الملفات، فضـلا عن تراجعها عن عدد من من الاتفاقات السابقة المبرمة مع الحكومة، وفي مقدمتها اتفاق 20 أكتوبر 2022، وهو ما يمس بهوية ومكانة مراكز تكوين الأطر العليا التابعة للوزارة ويهدد دورها الأكاديمي والتكويني في المنظومة التعليمية.
في بداية الاجتماع، ألقى الكاتب الوطني تقريرا مفصلا استعرض فيه حصيلة عمل المكتب الوطني منذ انتخابه بعد المؤتمر الوطني، وخاصة اجتماعاته مع الوزارة الوصية عبر لجانه الوظيفية (لجنة الملف المطلبي، لجنة التعليم العالي، لجنة القوانين والأنظمة)، وما واكبها من مستجدات قطاعية.
ًشكل هذا التقرير أرضية لفتح نقاش صريح وواسع بين أعضاء اللجنة الإدارية، ركز على التحديات الكبرى التي تواجه منظومة التعليم العالي والبحث العلمي.
بناء على هذا النقاش الواعي والمسؤول، خلصت اللجنة الإدارية إلى رفض مشروع القانون 59.24 بصيغته الحالية، لما يحمله من مخاطر تمس هوية الجامعة العمومية، وتهدد استقلاليتها ومجانيتها، وتفتح الباب أمام الخوصصة والتراجع عن مكتسبات التعليم العالي العمومي. وفي هذا الإطار، تطالب اللجنة الإدارية الحكومة بتجميد المشروع من مسطرة المصادقة وإعادته إلى طاولة الحوار مع النقابة الوطنية للتعليم العالي باعتبارها شريكا في كل ما يخص إصلاح القطاع.
كما أكدت اللجنة الإدارية على أولوية الاستجابة الفورية للملف المطلبي المشروع للأساتذة الباحثين، وفي مقدمته التسوية العاجلة لملف الدكتوراه الفرنسية، وتسوية ملف الترقية في الدرجة لسنة 2023 والإسراع بملفات 2024 و2025، واحتساب الأقدمية العامة المكتسبة في الوظيفة العمومية، وتعميم تسع سنوات من الأقدمية الاعتبارية إسوة بزملاء كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان. كما شددت على مراجعة جداول الأرقام الاستدلالية، وإعفاء تعويضات البحث العلمي من الضريبة، وتخفيض سنوات الترقي وتقليص آجال تغيير الإطار، وحصر التسيير الإداري للمؤسسات الجامعية في هيئة الأساتذة الباحثين، فضلا عن ضمان مبدإ المساواة في التمويل بتمكين الجامعات العمومية من نفس القيمة المالية التي تمنح للجامعات الخاصة، وتحقيق العدالة بين المؤسسات الجامعية بتمكين مؤسسات الاستقطاب المحدود من فتح تكوينات في الماستر والدكتوراه على غرار باقي المؤسسات. كما طالبت بالتسوية العاجلة لوضعية الأساتذة الباحثين العاملين بمراكز التكوين التابعة لوزارة التربية الوطنية والمعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة، بما يضمن إنصافهم وإدماجهم في المنظومة الجامعية الوطنية.
وفي هذا السياق، دعت اللجنة الإدارية إلى عقد اجتماع مجلس التنسيق القطاعي لمراكز تكوين الأطر العليا لوزارة التربية الوطنية يوم 30 شتنبر الجاري من أجل تحديد الخطة النضالية المناسبة.
كما أكدت أن أي إصلاح للتعليم العالي يجب أن يستند إلى مرتكزات واضحة تتمثل في التوحيد، الاستقلالية، الديمقراطية، الحكامة الجيدة، والمجانية، مع رفض أي محاولة لتبخيس دور مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعة أو تهميشها.
واختتمت اللجنة الإدارية أشغالها بالتشديد على ضرورة الرفع من الميزانية المخصصة للبحث العلمي بما ينسجم مع المعايير الدولية، وتوفير البنيات الأساسية للبحث والابتكار وتحسين ظروف عمل فرق البحث، باعتبار ذلك مدخلا أساسيا للنهوض بالجامعة المغربية وتعزيز مكانتها وطنيا ودوليا.
كما تؤكد النقابة الوطنية للتعليم العالي موقفها الثابت واللامشروط في دعم الشعب الفلسطيني ونضاله المشروع ضد الاحتلال الصهيوني، وتدين بشدة المجازر الوحشية التي يتعرض لها سكان غزة والضفة الغربية. وتشدد على أن الجامعة المغربية، بأساتذتها وطلبتها، كانت وستظل في طليعة المدافعين عن القضية الفلسطيسية العادلة. وترفض النقابة جميع أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، بما في ذلك التطبيع الأكاديمي، وتدعو الجامعات المغربية إلى الالتزام بواجب المقاطعة الأكاديمية الشاملة، انسجاما مع الموقف المبدئي والثابت للنقابة الوطنية للتعليم العالي.
وبخصوص الخطة النضالية، النقابة الوطنية للتعليم العالي أنه انطلاقا من حرصها على ضمان شروط سليمة لانطلاق الدخول الجامعي، وفي انتظار مآلات الحوار مع الوزارة، تدعو جميع الأستاذات والأساتذة إلى الاستمرار في العمل وفق المسالك المعتمدة خلال السنة الجامعية الماضية ودفاتر الضوابط البيداغوجية (2024/2023).
وفي هذا الإطار، تؤكد اللجنة الإدارية تمسكها بمقاطعة أي تعديل أو إجراء بيداغوجي ما لم تتح للشعب والهياكل الجامعية إمكانية التعبير عن آرائها ومقترحاتها في إطار مقاربة تشاركية حقيقية تضمن إشراك جميع الفاعلين وصياغة إصلاح بيداغوجي متوافق عليه مع النقابة الوطنية للتعليم العالي.
اخيرا، تعلـن النقابـة الوطنية للتعليم العالي عن خـــوض برنامج نضالي تصعـيدي يبدأ بإضراب وطني إنذاري لمدة 24 ساعة يوم 17 شتنبر الجاري، تعقبه أشكال احتجاجية تصعيدية (وقفات، مسيرات، تجميد العضوية في الهياكل المنتخبة، إلخ..)، مع تنظيم ندوة صحفية في نفس اليوم يعقدها المكتب الوطني. وتفوض اللجنة الإدارية للمكتب الوطني صلاحية تدبير هذا البرنامج النضالي وتوسيعه وفق تطورات الملف، كما تقرر الإبقاء على اجتماعها مفتوحا. وتدعو اللجنة الإدارية إلى تشكيل جبهة وطنية واسعة للدفاع عن الجامعة العمومية، تضم مختلف القوى الحية والفعاليات الديمقراطية صونا لمجانية التعليم العالي وتعزيزا لمكانة الجامعة العمومية كرافعة أساسية للتنمية.