البيروقراطية قطعت الوصال بين التعليم والإعلام في بلادنا – أحمد رباص

خرج جيل زد 212 إلى الشارع للمطالبة، من بين أشياء أخرى، بإصلاح التعليم. لن استغل هذه المناسبة كشرط للحديث عن المحاولات المجهضة للإصلاح التي قامت بها الدولة المغربية منذ الاستقلال حتى الآن. لكن، حسبي تناول نقطة وحيدة ظلت في عداد المسكوت عنه طيلة المدة المذكورة.
تتعلق هذه النقطة بإهمال النبوغ من لدن الوزارات التي تعاقبت على القطاع. ولا ننكر أن “السلطات التربوية” ببلادنا في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي انتبهت إلى هذه قضية النبوغ وأصدرت في شأنها مذكرة، لكنها سرعان ما طواها النسيان بفعل سيادة المقاربة البيروقراطية على تدبير قطاع التعليم.
كما لا ننكر أن الوزارة المعنية ما فتئت توصي بالاعتناء بالتفكير النقدي وإيلاء الأهمية للإبداع، لكن تبين في ما بعد أن كلام الوزارة في الليل يمحوه النهار.
في ثنايا البرنامج الاستعجالي* الذي خصصت له ميزانية ضخمة، وردت توصيات مناطها إنشاء إذاعة مدرسية وجريدة مدرسية في كل مؤسسة تعليمية. لكن تم رمي الكرة في مرمى المدراء المثقلين بالمهام دون بذل مجهود يذكر ودون تخصيص تمويل يعتبر في اتجاه إخراج المشروعين إلى حيز الوجود؛ علما بأن الطاقات والكفاءات موجودة بين هيئات التدريس ولم يتم انتدابها لنفس الغرض،
وقد لا نبالغ إذا اعترفنا بأن هناك أساتذة برهنوا بشكل ملموس على مراكمتهم لتجارب ناجحة في مجال الإعلام والتواصل ولا أحد من “المسؤولين التربوين” التفت إليهم باعتبارهم الأكثر والأجود تأهيلا لتحقيق مشروعي الإذاعة والجريدة المدرسيتين.
في بداية التسعينيات من القرن الماضي، تفتقت قريحة المسؤولين المركزيين عن فكرة إصدار مجلة تربوية ثقافية على مستوى كل نيابة نيابة، بيد أن قانون “كم حاجة قضيناها بتركها” كان هو الحاسم في نهاية المطاف.
أما تلك المطبوعات الوزارية المراد بها ملء الفراغ، فقد تلقاها الأساتذة بإهمال فظيع نظرا لوعيهم بأن العامل الأساسي المتحكم في إصدارها هو أنها نتاج لـ”سياسة القرب” التي طبقتها الوزارة من خلال تكليف أساتذة يشتغلون في مدارس تقع في محيط مقر الوزارة بكتابة مقالات تحت الطلب وفق نهج يستمد مقوماته وآلياته من الزبونية والمحسوبية.
نفس الشيء تمت ملاحظته عندما أنشأت الوزارة قناة لدعم التعلمات الأساسية، لكن “سياسة القرب” حكمت على دفن هذا المشروع وهو في حالته الجنينية، وقد شاهدت بأم عيني على هذه القناة أستاذا من المقربين المحظوظين يعتبر غوستاف فلوبير فيلسوفا مع أن الجميع يعرفه روائيا..
————————————–
(*) أتصور الميزانية الضخمة المخصصة للبرنامج الاستعجالي كجبل ملح ذاب بفعل سيول لعاب الجشعين..