جدل فيسبوكي: أين غابت المؤسسات المفترض فيها احتضان المبادرات الفردية إلى الإصلاح؟
أحمد رباص
شاركني صباح أمس، وعيناي تحرقانني لعلة مروري بليلة بيضاء خاصم فيها النوم جفوني، صديقي مصطفى المودن، الفنان السارد والشاعر لعبة تبادل الكلمات شبيهة بلعبة التنس. وكان منطلق اللعبة تدوينة جديدة قال فيها: “حتى ولو تخيلت نفسك أكثر حكمة من الآخرين، لا تتدخل-ي في شؤونهم.” وكأول معلق، كتبت له متسائلا: “حتى وإن كانت شؤونهم شعوذة؟؟”
أجابني: “اذا لم تقم المؤسسات بدورها.. فماذا انت فاعل؟ وكيف حكمت؟”
وبما أن الكرة دخلت حيزي، قلت له على الفور: “لا بد لي من التدخل اعتمادا على ما في حوزتي من إمكانيات حتى وإن تقاعست المؤسسات عن القيام بدورها”..
ثم استرسلت في الكتابة محاولا إقناعه بوجهة نظري قائلا: “صديقي العزيز، الكثير من المغاربة، حتى لا أقول من العرب، غير مبالين للأسف بما يجري حولهم.. همهم وشغلهم الوحيد هو أن يعيشوا في حدود الاستهلاك والامتلاك دون إيلاء أدنى اهتمام لجودة المحيط الذي يعيشون فيه، ودون ان يحملوا هما حيال غياب المعنى والقيمة في حياتهم، غير مبالين بأن موقفهم المتخاذل هذا قد يذهب أولادهم ضحية له. ولكن هناك دائما من ينوبون عنهم في القيام بالواجب حتى وإن كانوا قلة. وكم يحز في نفسي عندما ألاحظ أن المربين لا يقومون بأي جهد لتنقية أدمغة تلاميذهم من تمثلات مقززة وخرافات مضحكة تلقوها من آبائهم ومن الشارع.. وصدق ماركس عندما قال في إحدى أطروحاته ضد فيورباخ: ‘المربون في حاجة إلى تربية'”.
ولكن. لا تعول في هذا المجال على ذوي النفوس المريضة المنخورة بالحقد والكراهية..”
بصيغة لا تخلو من احترام وتقدير تجاهي، قال صديقي مصطفى المودن: “كما ترى سي احمد رباص، اللي قديتي عليه ديرو.. رغم ان الذاتية تظل حاضرة.. أعني بذلك خلفية التقييم..”
وبصيغة استفهامية لا تخلو من لباقة وكياسة عقبت عليه: “وهل كان سقراط ينطلق من ذاتيته عندما كان يحث مواطنيه على نبذ الخرافة واستخدام عقولهم من أجل معرفة حقائق الأشياء؟
لنعد إلى هؤلاء المرضى بالحقد والكراهية. هل يستقيم ترك هذه الظاهرة تستفحل وتنتشر؟ أليس من واجب الحكماء من ذوي الاختصاص وعموم المثقفين التصدي لها بالبحث لفهم أسبابها والعمل بالتالي على استئصالها من جذورها؟ تعال معي نقرأ سويا ما كتبه صديقنا التونسي عادل سهلية بهذا الصدد:
‘ما نلاحظه من كم هائل من خطابات الكراهية والحقد الإلكتروني هو وليد الحقد الطبقي المنتشر في المجتمع. هذه الظاهرة تكاد تكون معممة، فهي تصيب الكثيرين من الناس لأسباب عديدة منها ( عادات وتقاليد متخلفة أخلاقية تربوية تعليمية إقتصادية وإجتماعية)، وتنتج عقدا نفسية مرضية. هذه الحالة تكمن خطورتها في ما تصيبه من شريحة مجتمعية متعلمة واسعة. والغريب في الأمر أن الفئة المتعلمة لم تحاول مجرد التفكير في التخلص من أمراضها النفسية وتتلذذ العيش بها، وهنا يكمن خطرها نظرا لما تسببه من ضرر بليغ لكل المحيطين بها. ونتائج هذه الظاهرة المنتشرة بمؤسسات الدولة ينعكس ضررها على سوء الأخلاق في العلاقات الإنسانية، ورداءة الخدمات الإدارية، وإنتشار الفساد المالي والإداري. ويمكن أن نلاحظ إنعكاس ظاهرة الحقد والكراهية كذلك بأقل حدة ربما بالمنظمات ومكونات المجتمع المدني، وهي تمثل مشكلة مرضية خطيرة لسرعة إنتشارها المتزايد وتخريب الإدارة، فتكثر ظواهر المحاباة والزبونية والمحسوبية والموالاة وتجاوز التراتيب والقوانين المعمول بها.
هذه الظاهرة أصبحت تستدعي تناولها بالدرس والبحث من المختصين الإجتماعيين وعلماء النفس ومقاومتها عبر حملات تحسيسية متواصلة وإدراجها ضمن مخطط لإصلاح الإدارة..”‘
أخيرا وإيمانا منه بأفضلية وجدوائية العمل الممؤسس بالنظر إلى المبادرة الفردية المعزولة، قال صديقي المودن،: “ورغم ذلك هناك الذاتية.. وطبعا لا يمكن استبعاد راي المفكرين على مستوى التشريح وليس التدخل في الحياة الخاصة.. أي “إصلاح” يتطلب حاضنة اجتماعية مستعدة ووقتا.. اما ظواهر الهوان فكثيرة.. ويمكن قياسها على مستوى المقارنة بين الشعوب. وكل ذلك لا يسمح بالفرد كيفما كان في اختيارات الاخرين..”
وأنا أختم هذا الحوار، أكتفي بإبداء ملاحظة عنت لي في هذا السياق ومؤداها أني كنت المعلق الأول والوحيد الذي قدر له التفاعل مع تدوينة كاتبنا المرموق مصطفى المودن.