غلاء الاسعار وتدهور القدرة الشراٸية : ازمة تهدد استقرار المجتمع

تنوير : منير الدايري
عندما يقترب شهر رمضان ، يفترض أن تملأ الغرحة قلوب المغاربة استعدادا لأيام الروحانيات والماٸدة العامرة ۔لكن في 2025 , يبدو أن شبح الغلاء يتربص بالجميع ، من أسواق الرباط الی اسواق فاس ، وحتى شوارع وجدة، عاصمة الشرق. اللحوم تتجاوز 150 درهمًا للكيلوغرام، والبيض يتحول إلى رفاهية، والخضروات تتقلب أسعارها كأنها أسهم في البورصة. فهل أصبح رمضان، الشهر الذي ننتظره لنتقاسم فيه الخير، مجرد محطة جديدة للقلق والتقشف؟
لا يحتاج المرء إلى تقرير المندوبية السامية للتخطيط ليعرف أن القدرة الشرائية للمغاربة تتآكل يومًا بعد يوم. أكثر من 76% من الأسر – حسب أحدث استطلاع في يناير – يتوقعون المزيد من الغلاء، بينما الأجور تراوح مكانها كشجرة يابسة في صحراء الجفاف. الجفاف، بالمناسبة، ليس مجرد كلمة تتردد في نشرات الأخبار؛ إنه السبب الذي يضرب الإنتاج المحلي في مقتل، ويجعلنا نعتمد على الاستيراد بتكاليف باهظة تدفعها جيوب المواطنين. في وجدة، على سبيل المثال، يشتكي السكان من أن الخضروات مثل الطماطم ۔۔ أصبحت تتقلب أسعارها في السوق بسبب تراجع الإنتاج، بينما اللحوم الحمراء – المفضلة في تقاليد المنطقة – تضرب جيوبهم بأكثر من 150 درهمًا للكيلوغرام.
الحكومة، كعادتها، تطمئننا: “المخزون متوفر”، “المراقبة مشددة”. لكن في الشوارع، القصة مختلفة. الغلاء مازال ، والمستهلك يعود إلى بيته بكيس نصف فارغ وجيب خاوٍ. في وجدة، حيث يعتمد الكثيرون على التجارة الحدودية المتعثرة منذ إغلاق الحدود مع الجزائر، يبدو الوضع أكثر قسوة. الرقم الاستدلالي لأسعار المستهلكين هناك انخفض بنسبة 0.3% في نونبر 2024، لكن هناك ماهو أكثر ؛ التضخم السنوي لا يزال عند 2.3% في يناير 2025، مما يعني أن الراحة مجرد وهم. مع اقتراب رمضان يتساءل المواطن الوجدي: كيف سأشتري التمور واللحموالسمك ، وأنا أكاد أفشل في توفير المواد الاساسية؟
في ظل هذا الواقع، يطل علينا بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، بحلول تبدو عملية لكنها تتطلب صبرًا. فقد أفرج، في تصريح نقلته منصة “أريفينو.نت” بتاريخ 22 أكتوبر 2024، عن اقتراح ضخ اللحوم المجمدة والمستوردة في المطاعم الكبرى لتخفيف الضغط على الأسواق المحلية، وهو ما قد يمهد الطريق لانخفاض الأسعار. الخراطي يتوقع أن تستقر أسعار اللحوم بين 60 و70 درهمًا للكيلوغرام بحلول رمضان المقبل بشرط أن تستمر الجهود الحكومية في الاتجاه الصحيح. لكنه لا يكتفي بحلول مؤقتة، بل يذهب أبعد من ذلك، مؤكدًا أن استقرار السوق بشكل دائم يحتاج إلى رؤية طويلة الأمد. ثلاث سنوات، هي المدة التي يراهن عليها لإعادة هيكلة قطاع تربية المواشي ودعمه بفعالية، لنضمن أسعارًا عادلة ومستدامة. وفي السياق نفسه، يبرز صوت آخر من القطاع: محمد جيلي، رئيس الفيدرالية المغربية للفاعلين في قطاع المواشي، الذي أكد أن الأسعار تسجل تراجعًا ملحوظًا في سوق الجملة والمجازر الكبرى، مبرزًا أن لحم العجل تراجع بشكل لافت وفقد حوالي 5 دراهم للكيلوغرام الواحد، مرجحًا أن يتواصل هذا الانخفاض في المستقبل. بين تفاؤل حذر وانتظار طويل، يبقى السؤال: هل ستتحقق هذه التوقعات، أم ستظل اللحوم رفاهية في قوائم الشراء؟ الإجابة مرهونة بجدية التنفيذ.
الخبراء يحذرون، وجمعيات المستهلك تصرخ، لكن الصوت يضيع في زحمة الوعود. هل ستكون هذه المرة مختلفة عن حملات المراقبة الفاشلة في السنوات الماضية؟ الأمر لا يتعلق فقط بالاقتصاد، بل بالنسيج الاجتماعي. عندما يضطر الأب في وجدة إلى تقليص مائدة الإفطار، أو تتخلى الأم عن حلم تحضير “الشباكية” بسبب الغلاء، فإننا نفقد جزءًا من هويتنا الرمضانية. وإذا استمر هذا الضغط، فقد نرى احتجاجات جديدة، كما حدث مع مقاطعة الدجاج في صيف 2024.
فما العمل؟ الحلول ليست مستحيلة: دعم مباشر للأسر الفقيرة، ضرب المضاربين بيد من حديد، واستثمار حقيقي في الزراعة المحلية وقطاع المواشي. لكن السؤال الأهم يبقى: هل لدينا الإرادة لننقذ رمضان 2025 من أن يصبح شهر الجيوب الفارغة؟ أم أننا سنكتفي بالشكوى حتى يأتي العيد، ونحن نعدّ النقود بدل الحلوى؟ الكرة الآن في ملعب الجميع، حكومة ومواطنين، فالوقت ينفد.