الدار البيضاء تحتضن مؤتمر المجموعة الإفريقية للقضاة تحت شعار “من أجل قضاء إفريقي مستقل”

الدار البيضاء، 21 أبريل 2025 – انطلقت اليوم في مدينة الدار البيضاء أشغال مؤتمر المجموعة الإفريقية للقضاة تحت شعار “من أجل قضاء إفريقي مستقل”، بمشاركة عدد كبير من الشخصيات القضائية المرموقة من مختلف الدول الإفريقية والأوروبية. المؤتمر الذي تنظمه الودادية الحسنية للقضاة بالتنسيق مع الاتحاد الدولي للقضاة، يأتي تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله.
وفي كلمته الافتتاحية، أكد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، أن هذا المؤتمر يعد فرصة هامة لتقوية التعاون بين الأنظمة القضائية الإفريقية، وتعزيز الحوار القضائي المستدام. كما شدد على أهمية “استقلال القضاء” كشرط أساسي لتحقيق العدالة وضمان الحقوق والحريات للأفراد والجماعات.
وأضاف الوكيل العام أن شعار المؤتمر يحمل دلالات كبيرة، لاسيما في سياق التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها العالم، مما يفرض ضرورة تطوير الأنظمة القضائية في إفريقيا لمواكبة هذه التحولات. وأوضح أن هذا اللقاء يشكل فرصة لتبادل الخبرات والأفكار حول المستجدات القانونية والقضائية، ورفع التحديات التي تواجه العدالة في القارة، بهدف تجسيد عدالة ضامنة للحقوق والحريات.
كما تحدث عن التقدم الذي حققته المملكة المغربية في مجال إصلاح منظومة العدالة، مشيرًا إلى أن دستور 2011 شكل خطوة هامة نحو تعزيز استقلال القضاء، وهو ما يعكس الرؤية الملكية المتبصرة التي تضع العدالة في صلب التنمية المستدامة.
وأشاد المتحدث بالتعاون القضائي بين الدول الإفريقية، مؤكدا أن هذا المؤتمر يعكس الإرادة القوية للقضاة في القارة للتعاون وتعزيز استقلال القضاء، في إطار القيم الأخلاقية والنزاهة.
من جهة أخرى، تطرق الوكيل العام إلى دبلوماسية المغرب القضائية، مشيرًا إلى أن رئاسة النيابة العامة حرصت على إقامة علاقات تعاون مع العديد من الدول الإفريقية من خلال توقيع مذكرات تفاهم، والتي تساهم في تعزيز تبادل الخبرات والتعاون القضائي المشترك.
من جانبه، اعتبر الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، أن هذا المؤتمر ينعقد في مرحلة يشهد فيها العالم تحولات رقمية لم يُشهد لها نظير، مُتوقعًا أن تغيِّر هذه التحولات وجه العدالة في المستقبل. وأوضح عبد النباوي أن التحول الرقمي السريع، وزحف أنظمة الذكاء الاصطناعي، يشهد حالياً تطوراً ملحوظاً في النظم الاقتصادية والصناعية، ويُنتظر أن يُحدث تغييرات شاملة على الأنماط الاجتماعية السائدة وعلى مستوى توقعات الفاعلين في مختلف القطاعات، بما في ذلك القضاء.
وأشار الرئيس المنتدب إلى أن هذه التحولات ستُشكل تحديات كبيرة لأنظمة العدالة في العالم، إذ ستجد نفسها أمام ضرورة مواكبة هذه التحولات الرقمية، وتوفير الحلول الملائمة للإشكاليات المستجدة التي ستطرحها. كما تحدث عن احتمال أن تعرف منظومة العدالة تغييرات هيكلية جراء استعمال الذكاء الاصطناعي في حل المنازعات، بما قد يُعيد صياغة مفهوم استقلال القضاء بشكل يرتبط بشكل أكبر بالبرمجيات الرقمية وواضعيها، أكثر من ارتباطه بالقاضي ذاته.
ودعا عبد النباوي الحاضرين إلى ضرورة مسايرة الثورة الرقمية، محذرًا من أن هذه التحولات قد تترك الدول التي لا تواكبها في وضعية هامشية. وأوضح أن هذه الأنظمة الرقمية باتت تدخل بالفعل في أنظمة العدالة في الدول المتقدمة، مما يدعو إلى ضرورة الاستعداد لمواكبتها.
وأضاف عبد النباوي أن هذا المؤتمر لا يجب أن يقتصر على مناقشة مبادئ استقلال السلطة القضائية وأساسها التاريخي وشرعيتها، بل يجب أن يمتد للبحث عن سبل الاستفادة من التجارب والممارسات الفضلى للدول المشاركة. وأشار إلى أهمية توحيد المناهج والطرق المعتمدة، ووضع معايير ومؤشرات متفق عليها تسهم في الرفع من نجاعة النظام القضائي، وتعزيز دور القضاء في حماية حقوق المواطنين وحرياتهم وأمنهم القضائي، مع احترام الخصوصيات القانونية لكل دولة عضو.
في الختام، أكد عبد النباوي على ضرورة تعزيز التعاون القضائي بين الدول الإفريقية من أجل مواجهة التحديات المتزايدة في مجال العدالة، مشيرًا إلى أن هذا المؤتمر يشكل خطوة هامة نحو تطوير العدالة في القارة الإفريقية، ويُعد فرصة لتبادل الخبرات التي تسهم في تحسين الأداء القضائي وتحقيق العدالة المستقلة في جميع أنحاء القارة.