و- المسألة الثقافية: يبدو أن اليسار قد استقال – منذ عقود خلت – من الساحة الثقافية والإعلامية بشكل يكاد يكون شاملا. لا أتحدث هنا عن مواصلة عدد من المناضلين بأساليبهم الخاصة واعتمادا على قدراتهم الشخصية إصدار إنتاجهم الأدبي والفني والسياسي، كما لا أبخس قيمة إصدارات صحفية مثل جريدتي النهج الديمقراطي والطريق اللتين هما أقرب إلى النشرات الداخلية أكثر مما هما منبران إعلاميان بسعتهما وانتشارهما.
في وقت مضى من السبعينيات والثمانينيات كانت الساحة الوطنية تعج بخلايا ثقافية يسارية تغطي فضاءات جامعة مسرح الهواة وتملأ جنبات الأندية السينمائة وجامعتها وكذا الجمعيات الثقافية ودور الشباب. وكان اليساريون بمختلف مشاربهم قد أصدروا مجلات شغلت الساحة الثقافية الوطنية لسنوات أمثال “الثقافة الجديدة” و”الجسور” و”الزمان المغربي” و”البديل” و”المقدمة”، وقد نزل على رقابها جميعها سيف دموقليس دفعة واحدة سنة 1984 لتمنع وتصادر. وليس مصادفة أن تعتقل في نفس التاريخ قيادة جناح “الاتحاد الاشتراكي – اللجنة الإدارية” وتدخل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في حالة جمود مفروض لسنوات.
وعلى اليسار أن يعيد قراءة تجارب بعض الصحف التي أفرزتها أجسام يسارية متعددة مثل “أنوال” و”المنظمة” و”سلسلة المواطن” و”حرية تليلي” و”الأفق” و”اليسار الديمقراطي” و”المسار” و”الطريق”، لاستيعاب الدروس منها ومعرفة نقط ضعفها وتجنبها ووضع الأصابع على مواقع قوتها واستحضارها حين وجود رغبة إصدار نافذته الإعلامية، إذ نعرف أن أي جسم سياسي لا جريدة له جسم أخرص..
لا أجد مبررا لإهمال مناضلي اليسار الجانب الرياضي، والكروي منه بشكل خاص؛ علما أن عددا منهم من أنصار ومشجعي بعض الأندية الكروية. فلبعض هذه الفرق جماهير لا تتوفر حتى لأكبر الأحزاب السياسية ولأعتى النقابات، وأناشيد هذه الجماهير في البيضاء وطنجة تهتز لها الشوارع وجنبات الملاعب، و”السمكات” اليسارية لا تسبح في بحر هذه الجماهير ولا في غيره.
فالمسألة الثقافية والفنية والإعلامية والرياضية من المسائل التي ينبغي إيلاؤها الأهمية التي تستحقها على اعتبار أنها روافد أساسية ولا يمكن التغاضي عنها، وبإمكانها أن تمد شرايين اليسار بدماء جسمُه في أمس الحاجة إليها متى أراد أو رغب في تمديد عمره وتقوية بنيانه والتعافي من الأعطاب التي يعاني منها..
(يتبع)