استبعاد الشباب من مراكز القرار في الأحزاب والنقابات المغربية

بقلم: الأستاذ العربي البقالي
في المشهد السياسي والنقابي المغربي، يكاد يجمع الشباب الملتزم على حقيقة مريرة: لا مكان لهم في مراكز القرار، فكل من يحمل أفكارا جديدة، أو يمتلك دينامية اقتراحية، يقابل بالتعبئة المضادة، والشك، والإقصاء غير المعلن، فهل نحن أمام صراع أجيال؟ أم أن الأمر أعمق من ذلك؟
1- التنظيمات التي تخاف التغيير :
العديد من التنظيمات، سواء الحزبية أو النقابية، أصبحت تدار بمنطق الملكية الخاصة، حيث يعتبر بعض القادة التاريخيين الكراسي إرثا شخصيا، لا يسمح بتقاسمه مع الوافدين الجدد. هؤلاء لا يملون من الخطابات حول تشبيب التنظيم، لكنهم سرعان ما يبدعون في عرقلة كل كفاءة شابة قد تهدد موازين السيطرة.
2- الشباب: طاقة مرفوضة؟
ما يخيف في الشباب ليس ضعفهم، بل قوتهم في الطرح، وجرأتهم في التغيير، وقدرتهم على إعادة طرح الأسئلة الكبرى التي تتهرب منها القيادات المتكلسة. ولهذا، يعتبرون خارج الإطار لأنهم لا يسايرون المنطق البيروقراطي العقيم، ولا يقبلون بالرضا السلبي كعملة للنضال.
3 – ليس صراع أجيال، بل صراع مشاريع
المسألة ليست بيولوجية، بل سياسية وفكرية، هناك شيوخ برؤية تقدمية، وشباب بخطاب متجاوز، الإشكال الحقيقي يكمن في غياب الدمقرطة الداخلية، وفي رغبة البعض في تجميد التاريخ على مقاسهم، خوفا من فقدان الامتيازات والسلطة الرمزية التي راكموها لعقود.
4 – الطريق إلى الإصلاح يبدأ من الداخل
لكي نستعيد الثقة في العمل السياسي والنقابي، لا بد من فتح الأبواب أمام الجيل الجديد، لا كديكور للتشبيب، بل كفاعل حقيقي. فالتحول لا يأتي من الخارج فقط، بل من تصحيح الأعطاب البنيوية داخل التنظيمات، وتغيير ثقافة التسيير من الولاء إلى الكفاءة، ومن منطق الزعيم الأبدي إلى منطق التداول الديمقراطي، حيث تمنح الفرصة لمن يملك الرؤية، وليس فقط لمن يملك مفاتيح الولاء أو تقنيات العرقلة.
ذلك التحول يتطلب شجاعة الاعتراف بأن التنظيم ليس ملكا لأحد، بل فضاء مشترك يبنى على الانفتاح، ويطور بالممارسة، ويتقوى بتعدد الأفكار، لا بخنقها. حينها فقط، يمكن الحديث عن تنظيمات حية قادرة على تجديد نفسها من الداخل، لا فقط التآكل بهدوء تحت غطاء الشرعية التاريخية.
إن منح الفرصة للكفاءة هو المدخل الحقيقي لرد الاعتبار للعمل الجماعي، واستعادة الثقة المفقودة، وفتح الأفق أمام جيل جديد يريد أن يشتغل لا أن يصفق، أن يسهم لا أن يهمش، أن يكون فاعلا لا مجرد تابع في مشهد تم رسمه مسبقا،جيل جديد لا يطلب امتيازات ولا يبحث عن بطولات وهمية، بل يطالب بحقه في المشاركة، في صناعة القرار، وفي مساءلة الاختيارات. جيل يعتبر التنظيم أداة للنضال لا واجهة للترقي الاجتماعي، ويرى في النضال التزاما مبدئيا لا ولاء أعمى، فلنختر اما التغيير من الداخل بثقة. وجرأة أو مزيد من الانغلاق حتى الانقراض، حيث تصبح التنظيمات مجرد هياكل شكلية تكرر نفس الشعارات وتعيد تدوير نفس الوجوه، بينما تغلق الأبواب في وجه كل نفس جديد.
المنظمات التي تخاف الكفاءة، وتقصي المبادرة، وتعادي النقد البناء، تحفر قبرها بيدها. أما التي تتصالح مع روح التجديد، وتمنح الفرصة لكل من يحمل الفكرة والمشروع، فهي التي تضمن البقاء والتأثير والاستمرار.
التاريخ لا يرحم من يعيش خارج زمنه،
والتنظيمات التي لا تتجدد تتحلل.
ما نعيشه اليوم ليس صراع أجيال، بل صراع بين الجمود والتجديد ، بين من يريد للتنظيمات أن تبقى صالونات مغلقة، ومن يؤمن بأنها أدوات للتغيير المجتمعي الحقيقي. والمستقبل، بلا شك، سينحاز لمن يملك الجرأة على النقد الذاتي، ويملك الشجاعة لفتح النوافذ أمام نسمة التغيير. ولو كلفه ذلك الكرسي.
وخلاصة القول، فإن صراع الأجيال داخل التنظيمات ليس قدرا محتوما، بل نتيجة مباشرة لغياب ثقافة التداول والانفتاح ،هو صراع بين من يريد أن يخلد حضوره، ولو على حساب المشروع، وبين من يؤمن أن التنظيم وسيلة لا غاية، وأن من يحمل الفكرة أولى بقيادتها من من يملك الكرسي فقط.
إن الخلود في المواقع لا يصنع شرعية، والتمترس خلف الماضي لا يصنع مستقبلا، وإذا لم تحسم هذه المفارقة اليوم، فستحسم غدا، لكن بثمن أكبر، وبنزيف أعمق، فالجيل الجديد لا ينتظر الترخيص،بل يصنع بالاقتناع، وبالإصرار، وبحتمية التغيير. وستبقى الحقيقة البسيطة ماثلة: التنظيمات التي لا تفسح المجال للدماء الجديدة، تختنق ببطء، ثم تختفي بصمت.