وجهة نظر

شعور بالظلم وأنماط سلوكية جماعية جديدة -ذ عبد الرحمان رشيق

*ترجمة لنص "Sentiment d’injustice et nouveaux comportements collectifs "

ذ عبد الرحمان رشيق-عالم اجتماع حضري

يوجد شعور بالضيق لدى الشباب لا بدّ أن يجد طريقه إلى التعبير، أحياناً بصورة سلمية، ونادراً بصورة عنيفة. تؤثّر شبكات التواصل الاجتماعي بعمق في مجتمعنا، إذ أصبحت متنفساً خاصةً للشباب المتصلين على الدوام. وحين تتاح الفرص، يعبّر الشباب غالباً عبر شبكات التواصل الاجتماعي وملاعب كرة القدم، ونادراً ما يكون ذلك في شكل أعمال شغب، كما حدث هذا الأسبوع في وجدة وإنزكان.

التظاهر، تقليدٌ راسخ

منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، شهدنا ترسّخ تقليد الاحتلال السلمي للفضاء العام على نحوٍ تدريجي. وقد نجح المغرب في إرساء تقليدٍ للاحتجاج الاجتماعي السلمي، بعيداً عن أحداث الشغب العنيفة والدامية التي طبعت ثمانينيات القرن الماضي. ويجدر التذكير بأن من مقتضيات الديمقراطية أن يكون اللجوء إلى القوة متناسباً مع جسامة الإخلال بالنظام العام.

غير أنّ المغرب لا يمتلك بعدُ تقليداً راسخاً في الوساطة؛ فهي غالباً ما تكون مبادرة محلية وأحياناً ارتجالية. وتقوم الوساطة على اتفاق بين الطرفين المتنازعين، أملاً في نزع فتيل سوء الفهم المحتمل وإرساء قنوات تواصل بين الدولة والمحتجّين. والوساطة الاجتماعية هي أسلوبٌ لحلّ النزاعات بين طرفين أو أكثر. غير أن الدولة المغربية لا ترغب في الحوار إلا مع مؤسّساتٍ قائمة؛ أمّا المجموعات غير الرسمية—even إن كانت واسعة العدد—فتُستبعَد من التفاوض.

مجتمع جديد في طور التشكل

ينبغي أن نُوقن أننا نعيش اليوم في مجتمعٍ تُشكّل فيه الاحتجاجاتُ الجماعية ملمحاً أساسياً؛ مجتمعٍ يجتمع فيه اليأسُ والأمل. فشعورٌ بالظلم يتنامى في غير ما مكان، مستنداً إلى أملٍ في تغييرٍ محتمل وتحسينٍ للأوضاع الاجتماعية-الاقتصادية والسياسية. ومن خلال الاعتصامات، والتظاهرات، والمسيرات، وملاعب كرة القدم، وشبكات التواصل الاجتماعي، والأغاني، وحملات المقاطعة، والعرائض، والشكاوى المرفوعة إلى منظمات حقوق الإنسان… يعبّر الناس عن رغبةٍ عميقة في تحقيق العدالة.

يجدر التنبيه إلى تنظيم آلاف المظاهرات السلمية كل سنة، ولا سيما منذ سنة 2008، أي بمعدل 52 فعلاً احتجاجياً جماعياً في اليوم. وأضحت الفوارق الاجتماعية الصارخة أقلَّ قبولاً لدى الساكنة الحضرية، كما تشهد على ذلك الشعارات المتكررة التي ترفعها مختلف حركات الاحتجاج الاجتماعي في الفضاء العام(1). ويبدو أن الفرد بات يشعر بإمكانية تغيير أو على الأقل تحسين وضعه الاجتماعي عبر اللجوء إلى تنظيم الاحتجاج الجماعي في الفضاء العام.

هناك إذن فئة من الشباب المتعلّم والمثقّف تعبّر عن غضبها بصورة سلمية، ولا ينبغي الخلط بينها وبين فئة أخرى تنزلق إلى العنف وتعبّر عنه متى سنحت الفرصة (الدعوة إلى الإضراب العام، الدعوة إلى التظاهر، صلوات الجمعة، ملاعب كرة القدم…) أو عقب صدمةٍ معنوية ناجمة عن حادثٍ مثل اغتصاب قاصرين، زواجٍ مثلي، عنفٍ شرطي، خطأٍ طبي، جريمة قتل، أو توزيعٍ للسكن الاجتماعي يُنظَر إليه باعتباره غير منصف…

الشعارات والمطالب (الصحة والتعليم) قديمة لكنها لا تزال راهنة. ثمة أوجه شبه كثيرة مع حركة 20 فبراير، لكن من دون بُعدٍ سياسي؛ وحده السياق الرقمي هو الذي تغيّر. نشهد اليوم استعمالاً مكثّفاً لشبكات التواصل الاجتماعي من أجل تعبئة الشباب وتحديد أماكن اللقاء بعيداً عن أنظار السلطات المحلية والمؤسسات السياسية والنقابية والجمعوية…

وبالتوازي مع التراجع التدريجي لشعور الخوف من السلطة السياسية (المخزن) وازدياد الفئات الاجتماعية الحضرية المتعلّمة عدداً، أتاحت التعبئات الاجتماعية المختلفة انتقالاً تدريجياً من وضعية “الرعيّة” السلبية، الخائفة، الانفعالية، وبالتالي قليلة المطالب، إلى وضعية “المواطن” العارف بحقوقه وواجباته والمستعد لرفع صوته.

الفرق بين “التظاهر” و“التجمّع”

لا ينبغي للشباب والرأي العام عموماً الخلط بين التظاهر والتجمهر. فالتظاهر حقّ تكفله الدستور، بينما يُعاقَب على التجمهر بموجب القانون. أمّا الاعتصام فظل وضعه القانوني ملتبساً؛ إذ ليس تظاهرة في الطريق العام، ولا تجمهراً (مسلّحاً أو غير مسلّح)، ولا اجتماعاً عمومياً، ولم يتطرق إليه المشرّع المغربي صراحةً. لا يحقّ كذلك احتلال الفضاء العام بصورة جماعية ومفاجئة؛ فالمواطنة تبدأ باحترام القوانين. قانونياً، التظاهرة فعلٌ جماعي يجري في الطريق العام ويتطلّب تنظيماً وتصريحاً إدارياً مسبقاً. كما أنّ الجهات المخوَّل لها قانوناً الاحتلال السلمي للشوارع هي: الأحزاب السياسية، والتنظيمات النقابية، والهيئات المهنية، والجمعيات(2).


*ترجمة الحنبلي عزيز باحث في سلك الدكتورة -القانون العام و العلوم السياسية

1 في سنة 2005، تُرجِم الفعلُ الجماعي لمختلف الحركات الاحتجاجية في الفضاء العام (اعتصام، تظاهرة، مسيرة، إلخ) إلى 700 اعتصام، أي بمعدل اعتصامين يومياً. وقد ارتفع هذا الرقم تدريجياً؛ إذ انتقل من 5,000 فعلٍ احتجاجي سنة 2008 إلى 6,400 سنة 2009، ليبلغ 8,600 سنة 2010، ويقارب 18,500 احتجاج سنة 2013.
للمزيد من التفاصيل، يُراجَع كتابنا: المجتمع ضد الدولة: الحركات الاجتماعية واستراتيجيات الشارع في المغرب، الدار البيضاء: منشورات تقاطع المسالك (La Croisée des Chemins)، 2016.

2 تنصّ المادة 11 على أنّه «تُخضع للتصريح المسبق جميعُ المواكب والاستعراضات، وبوجهٍ عام، كلُّ التظاهرات التي تُقام على الطريق العام. (…) غير أنّ الخروج إلى الطريق العام المطابق للأعراف/local** (للاستعمالات المحلية) **يُعفى من هذا التصريح». يُراجَع الجريدة الرسمية، عدد 5048.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى