أحمد حبشي: أزمة الاشتراكية أم أزمة الاشتراكيين؟
في نقاشاتنا المتعددة لمسارات التجربة الاشتراكية في مجتمعات محددة، يبرز بشكل جلي النزوع نحو الدفاع عن النظرية الاشتراكية بمختلف تحديداتها، سواء باعتبارها نتيجة علمية لمسار تطور تاريخي محكوم بمراحل وشروط اجتماعية واقتصادية، أو مصاغة في سياق خصوصية عرقية واجتهادات مذهبية، وهو ما يعني في الخلاصة التأكيد على الصلاحية المطلقة للنص في أصله وصياغاته، ونسبية الاستيعاب وضبط الممارسة العملية بما يتناسب والتحديدات النظرية. ومنها يبدو أن الحاجة إلى الاشتراكية كنظرية ونظام اجتماعي، باعتبارها البديل الوحيد للنظام الرأسمالي وأساليب إعادة إنتاجه، بكل ما يعني من استغلال واستعباد للإنسان وهضم حقوقه، حقيقة تحتاج فقط للفهم الصحيح لكل خلاصاتها وقواعدها المنهجية.
فعلى الرغم من ما آلت إليه التجربة الروسية وانهيار المعسكر الاشتراكي، الذي قام على أساس اجتهاد نظري وتدبير عملي في مجال الفكر الاشتراكي، فإن القراءات انصبت على ما أصاب النظرية، في التقدير العام، من انزلاقات واختزال لمفاهيمها وتصوراتها، في نزوع نحو الاستيلاء على السلطة السياسية وإحداث نظام اقتصادي مركب في غياب الشروط التاريخية المؤدية إلى التحولات الاجتماعية.
في سياق هذا النقاش الواسع والمتعدد، أصدر المناضل الأستاذ علي بوطوالة، الكاتب العام لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، كتابا هاما، بعنوان مركب “ماذا بعد أزمة الاشتراكية والرأسمالية” وذلك للمساهمة في ” توضيح ما حدث ويحدث من تحولات” على مستوى النضال والرهانات السياسية، التي عرفها العالم في السنين الأخيرة منذ سقوط جدار برلين، وما طرحه هذا الحدث من تساؤلات وإشكالات نظرية، تجلت في الممارسة العملية كأزمة مست عمق ممارسة الاشتراكيين، ووضعت مطرح تساؤل الفكر الاشتراكي واختياراته النظرية والعملية .
في سياق منهجية التحليل، كان ضروريا الرجوع إلى ما قام به المؤسسون الأولون للفكر الاشتراكي، منذ ظهور المصطلح إلى حدود التجارب السياسية والدولاتية، التي عرفتها المجتمعات البشرية، وخاصة في بلدان أوربا كمهد وأرضية بزوغ الأفكار والاجتهادات المتباينة حول مسار المجتمعات وأسس تحولاتها، هكذا استعرض الأستاذ علي في استقرائه مختلف المراحل التي تم خلالها تداول مفهوم الاشتراكية، والمقاربات الفكرية التي اعتمدها بعض دعاة الإصلاح، والباحثين عن التكافؤ الاجتماعي وتقليص الفوارق بين أبناء المجتمع الواحد بما يعمم السعادة والطمأنينة.
فمنذ التفكير الاشتراكي الأول وفي محاولات الأديان إلى نشر نوع من المساواة بين البشر، مرورا بالاجتهادات الفلسفية في مختلف العصور، يعرض الأستاذ علي باقتضاب شديد، إلى حدود الاكتفاء بالإشارة، كل ما حملته كتابات المؤرخين والدارسين من تفاصيل، عن سعي البشرية الدائم لبلورة صيغة مجتمعية للعيش الكريم والازدهار العميم، وحماية عائدات الإنتاج من كل تسلط واستبداد. فكل الفلاسفة أحاطوا بالموضوع لتدليل صعاب فهمه أو بإثارته كإشكال مجتمعي يحيل على معانات القوى العاملة من سوء الأوضاع وظنك العيش. فأفلاطون في “جمهوريته” دعا إلى ” التمليك الجماعي لكل خيرات المجتمع بما في ذلك النساء والأطفال” واعتبر من جهة أخرى أن ” قاعدة النظام الاجتماعي هي المساواة”. أرسطو من جهته أكد على ” العدالة التوزيعية” بما يعني التوزيع المتكافئ للمعطيات الطبيعية، ومن الفلاسفة أيضا من تحدث عن” جزيرة بدون ملكية خاصة وبدون طبقات اجتماعية”. الأديان كما الفلسفة أثارت مسألة “مساواة الناس” ودعت إلى محاربة الظلم الاجتماعي والإفراط في الاستحواذ على الثروة، وإن كانت لم تحرم الملكية الخاصة كما لم تحدد سعتها ومحيطها ونمط الإنتاج وكذا وثيرة العيش و استمرار الحياة.
في سرده العام للسياقات الفكرية والعقائدية، التي ساهمت في إطار البحث الدائم حول واقع الإنسان وعلاقاته المتعددة بالمجال الطبيعي ومحيطه المجتمعي، يستدل الأستاذ علي بوطوالة، بما أفرزته الحركات الاجتماعية والتيارات الفكرية التي عرفها تاريخ البشرية، وعكست صراعا ضاريا من أجل تحقيق العدالة والحد من التسلط والاستبداد، صراع اتخذ أشكالا متعددة من الدعوة للتحرر إلى اندلاع الثورات ورفع راية العصيان، هذه الحركات شكلت مسارا تاريخيا عكست تعقيدات التحولات المجتمعية المرتبطة بنمط الإنتاج ووسائله، مستعرضا في إشارات سريعة، أهم الأفكار وسير الأشخاص الذين تركوا بصماتهم كفاعلين اجتماعيين وسياسيين أو كمفكرين ومؤسسات علمية، تفاعلوا مع واقع معاش، وساهموا في صياغة نظريات وأفكار رامية إلى تغيير المجتمع وعلاقاته الإنتاجية. فكان الوقوف باستفاضة على ما حملته أطروحات المفكر كارل ماركس، وما تميزت به تحاليله من بعد علمي وقراءة مادية للمعطيات التاريخية وأسس التحولات التي عرفتها المجتمعات البشرية وسياقات تطورها، وفي التفاصيل يسرد كيف يمكن التمييز بين “الاشتراكية الخيالية” القائمة على التمني والرغبة، و”الاشتراكية العلمية” المبنية على رصد واقع التناقضات وما ينتج عن تضادها، وهو ” الاكتشاف الذي يشكل حجر الزاوية في النظرية الماركسية” وبه أحدثت تفوقا نظريا بارزا، اعتبارا لما قام به ماركس بخصوص ” كشف وتحليل قوانين تطور النظام الرأسمالي” و” تأسيس ممارسة سياسية ثورية للحركة العمالية العالمية”، وهي جوهر ما خلصت إليه تجربته الميدانية ودراسته العميقة في مجال الفلسفة والاقتصاد وعلم السياسة والقانون، أي كل ما مكنه من تحقيق “قطيعة ابستمولوجية مع أنماط التفكير التقليدية”، وبسط مفاهيم أساسية في المنهجية النقدية، التي شكلت أسس التحليل والتعاطي مع معطيات الواقع وتحولاته، لما أصبح يعرف ب”الاشتراكية العلمية”، الإطار النظري العام الموجه الأساسي لحركة ثورية عالمية، والقائم على التقابل والصراع بين مكونات البنية الاجتماعية الواحدة. تصوره النظري هذا وجد صيغته العملية في سياق الحركات الاجتماعية، المناهضة للشروط العامة لدورة الإنتاج الرأسمالية وما يرتبط بها من تطور القوى العاملة وأسلوب الإنتاج في المجتمعات الأوربية وخاصة التي عرفت تقدما صناعيا لافتا.
واقع يحيل عليه الأستاذ علي لربط النظرية بسياقها التاريخي وعمقها المجتمعي، وهي خلاصة أساسية سيحاول استغلالها في محاولة فهم واقع الاشتراكية اليوم وما يعانيه الاشتراكيون في محاولاتهم لاستيعاب التحولات المجتمعية وسعيهم لتغيير الواقع والتأثير في مسار تطوره.
فإذا كان صدور “البيان الشيوعي” الذي صاغه ماركس بنفسه، إعلانا عن تأسيس حركة سياسية بمعالم فكرية وبرامج نضالية واضحة ومحددة الأهداف، فإن سياقات هذه الحركة عرفت معالم مختلفة في المجتمعات والبلدان التي امتدت إليها، مما أفرز تباينا في تحديد الأولويات وحصر مجالات الصراع وتوليف مصالح الفئات وتطلعاتها، وهو مسار أتاح إمكانية بلورة تصورات اعتبرت اجتهادات نظرية في سعي لتطويع الواقع وتقوية الشروط المساعدة لإنجاز وتحقيق ما حددته النظرية كمهام وأهداف. غير أن الحصيلة بعد قرن من التجريب والممارسة النضالية، سجلت في تقدير الأستاذ علي ” فشل الأحزاب الشيوعية الأوربية في الحفاظ على قاعدتها الانتخابية والوصول إلى السلطة،سواء عبر الانتفاضة الثورية أو الانتخابات البرلمانية، وتراجع الماركسية في الجامعات الأوربية وفقدانها لوضعيتها الاعتبارية لدى المثقفين”، انحسار مزلزل دفع العديد من المفكرين والمؤسسات العلمية إلى تعميق البحث ومواصلة التحليل، لإيجاد مداخل نظرية أخرى تبقي على جوهر المشروع المجتمعي وتؤكد على حيوية النظرية الماركسية وفعالية المنهج العلمي في رصد تحولات الواقع واستشراف آفاق التغيير، المرتبط بتوفير شروط العيش الكريم والحد من سلطة الاستغلال والاستبداد.
الخلاصة الأولى التي يبسطها الأستاذ علي، من خلال استقرائه لكل الاجتهادات النظرية والأبحاث العلمية، هي أن ” العالم الآن يعيش بداية سيرورة تحول كبير، تحول في نمط الإنتاج الرأسمالي، قد يؤدي كما تبين التحولات التكنولوجية الجديدة إلى نمط إنتاج جديد” بما يعني تحول في علاقات الإنتاج وطبيعة الفئات المرتبطة بهذا المسار الجديد وتباين مواقع تأثيرها. هذا التحول الرأسمالي العابر للقارات والمنفلت من كل خصوصية مجتمعية، فسح مجالا واسعا للتعبيرات النظرية المختلفة، سواء على مستوى التبشير بما سيفسحه الإنتاج الرأسمالي الجديد من أفاق للتطور المجتمعي والنمو الاقتصادي، أو على مستوى التحذير من عواقب انفلات رأس المال من أي مراقبة أو خضوع لقوانين صارمة تحد من هيمنته وبسط سلطته وسلطانه، وما يترتب عن كل ذلك من ويلات ودمار يقذف بالبشرية إلى أحضان المجهول.
الخلاصة الثانية، يصيغها على شكل أسئلة تبلور إشكالا نظريا وعمليا، لتحديد السبيل إلى تجاوز واقع الحال. أسئلة جاءت في المؤلف على الترتيب التالي:
-“هل يمكن تغيير نمط إنتاج تبلور عبر عشرات، إن لم يكن مئات السنين بقرار سياسي في لحظة ثورية حاسمة؟” – “هل يمكن بناء الاشتراكية بمفهومها الماركسي ( كملكية جماعية لوسائل الإنتاج والتبادل يشرف عليها المنتجون بواسطة تنظيماتهم المهنية) في ظل تخلف اقتصادي وثقافي، وفي ظل حصار دولي قاتل؟”
– ” هل يمثل الفصل بين الديمقراطية السياسية والتوزيع العادل للثروة ضرورة تاريخية خلال المرحلة الثورية، أم مجرد اختيار سياسي لنخبة مهووسة بالسلطة تريد فرض رأيها بالقوة على المجتمع؟”
– ” أية علاقة بين التخطيط المركزي كآلية لتعبئة الموارد وعقلنة تدبيرها، وبين الديمقراطية السياسية كآلية لتدبير التنوع والاختلاف، وفصل أفضل البرامج وأحسن النخب لإدارة الشأن العام؟”
– ” إذا كان إنتاج الفائض (فائض القيمة) ضرورة اقتصادية لتحقيق التنمية والتقدم، وإذا كان العمل ( الذهني والعضلي) هو الذي ينتج هذا الفائض، فكيف يمكن الجمع بين الفعالية الإنتاجية والعدالة في التوزيع، دون حرمان الأفراد من الطموح والاجتهاد؟”
هذه الأسئلة في تقدير الأستاذ علي بوطوالة أساسية، بل جوهرية في حصر النقاش و الجدل الدائر حول موضوع الانتقال إلى الاشتراكية، إذ لابد من العودة إلى التفكير والتمحيص في نتائج مختلف المستجدات، لتحديد المهام المرحلية وما يقتضيه الشرط التاريخي، وفق المنهجية النظرية التي بلورها الفكر الاشتراكي. هذا الإشكال المتجدد الذي واجهه البلاشفة الروس، وعلى أساسه بلوروا صيغا لتأهيل المجتمع السوفياتي، بغاية توفير شروط الانتقال إلى مجتمع اشتراكي متكامل الأركان بالمواصفات التي حددها ماركس “، الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، التخطيط، وسلطة الطبقة العاملة، وتقاضي (كل حسب عمله) في المرحلة الأولى ثم كل حسب حاجته في المرحلة الشيوعية”، هو في صميم الرهان المعرفي لتحديد المسار الحقيقي لكل تغيير مأمول.
لابد أن ينطلق النقاش من تحديد أطراف عملية الإنتاج وشروطها العامة، أخذا بعين الاعتبار التداخل بين الشرط العام، المرتبط بكل ما هو خارجي ومفروض في إطار علاقات دولية، والشرط الخاص المحكوم بالإمكانيات المادية المتوفرة والقدرات الذاتية مع تزايد الحاجيات وتنوعها، هذا المدخل يفسح المجال للوقوف على حقيقة طبيعة علاقات الإنتاج ومآل فائض القيمة وكيفية توزيع الفوائد، أي فهم طبيعة التناقض القائم بين الرأسمال وقوة العمل في لحظة تاريخية محددة، وهو ما حاوله المفكرون الذين سعوا إلى فهمم واقع المجتمعات ما بعد الاستعمار والانتشار الواسع لنظام رأس المال، فتباينت التجارب المحتضنة لأفق الاشتراكية وتنوعت الأنماط الوسطية، التي اعتمدت في تطوير قوى الإنتاج في سعي متواصل لتجاوز كل التحولات التي يعرفها نمط الإنتاج الرأسمالي، وما يعتري النظام المرتبط به من اختلالات وأزمات دورية.
إذا كانت الرأسمالية قد تجاوزت أزماتها المتعددة، منذ سيادة نمط إنتاجها وتحكمها في تطور علاقات الإنتاج، وذلك من خلال تنويع أساليب تدبير هذه الأزمات بإيجاد مخارج تضفي على طابعها المستبد بعض السمات الإنسانية الرامية إلى التخفيف من حدة الصراع، فهي تنتقل من الرأسمالية النيوليبرالية التي ” تعطي أولوية لقوانين السوق والمنافسة ومرونة سوق الشغل والحركية الاجتماعية” إلى الرأسمالية الاجتماعية التي ” تتميز بحماية اجتماعية عالية للأجراء ونظام مالي ممركز”، وصولا إلى نماذج رأسمالية الأطراف التابعة ” التي لازالت مطبوعة بالتراكم البدائي للرأسمال على حساب أبسط حقوق العمال والمأجورين في الاستقرار المهني والعيش الكريم”، فإنها لم تفلح في ترويض كل أطراف الإنتاج، ولم تستطع أن تجعل من نظامها “أفقا غير قابل للتجاوز” وأنها “تملك جوهرا ميتافيزيقيا عابر للتاريخ”.
القوى المناهضة للنظام الرأسمالي، وفي طليعتها التيارات الاشتراكية، ظلت تجدد محاولاتها للحد من هيمنة رأس المال وتحجيم قدرته على التحكم في دورة الإنتاج، وفرض نوع من التوازن المجتمعي لفائدة قوة العمل، بما يعني الاستفادة من فائض القيمة وتوظيفها في صالح نمو المجتمع وتطوير كل إمكانياته، غير أنها لم تنتج نظاما اقتصاديا قادرا على تحقيق كل الطموحات.
هنا ينحصر الإشكال، فإذا كانت الاشتراكية في مفهومها العام ومبادئها الأساسية، قد تم التفصيل في شرح منطلقاتها الفكرية وقواعدها العملية، مع توضيح غاياتها وأهدافها، إلى أن أصبح استيعابها كاختيارات وتوجهات فكرية وسياسية محددة، في متناول مختلف الفئات الاجتماعية، التي واكبت وتفاعلت سلبا أو إيجابا مع أطروحاتها، و أصبح أعلامها ومنظروها من أشهر الفاعلين السياسيين والمحللين الاقتصاديين، الذين قدموا بمختلف الصيغ شروحا وتوضيحات تبسط القواعد وتوسع المدارك وتشيع التوجهات، فإن ما ظل يعرف الكثير من اللبس مرفوقا بالعديد من التداعيات، هو كل ما ارتبط بتجسيد الاختيارات الاشتراكية على أرض الواقع، وما سخر لتوفير الإمكانيات اللازمة المرتبطة بالتحول الكيفي للعلاقات المجتمعية وتغيير شروط الإنتاج والسمو بالحقوق السياسية والمدنية وتحسين مستوياتها. فبقدر ما اتسع الحوار وتشعب حول مختلف القضايا ذات الطابع الإشكالي، فإن التقاطب والتجاذب بين الأطروحات المتعددة ظل بعيدا عن بلورة صيغة عملية، تحدد المداخل الحقيقية التي تجعل من النظرية مفتاحا لحل كل التناقضات المجتمعية وتفسح المجال لتطور واقعي وفعال في مختلف المجتمعات.
إن ما انتهت إليه تجربة الاتحاد السوفياتي أساسا، وما تمخضت عنه محاولات التجديد التي اعتمدتها الصين في تقديمها للنموذج التنموي الاشتراكي، عكس أزمة ” المنظومة الاشتراكية” في محاولاتها لتجاوز النظام الرأسمالي وتقويض كل مؤسساته الإنتاجية والمجتمعية، وفي سعيها لتوفير شروط تحقيق مجتمع بديل يقوم على العدل والمساواة والحد من كل الفوارق العرقية والمجتمعية. فما أنتجته هاتان التجربتان، دون تبخيس من قيمة كل ما تحقق من مكتسبات، علاقات إنتاج ملتبسة تتحكم فيها رأسمالية الدولة، وتسود في تدبير شأنها فئات طفيلية، تحتكر عائدات الإنتاج وتخص محيطها بامتيازات الجاه والسلطة. مآل أثار الكثير من الجدل والتقاطب النظري في الوسط الاشتراكي، ووسع من دائرة الشك في مدى واقعية الاختيارات، المبنية على جدلية الصراع وآفاق تطوره في مسار مجتمع تحكمه ميكنيزمات أسلوب الإنتاج وعلاقاته، أي ما ظل يعني في التصور العام ” حتمية الثورة الاشتراكية” وانهيار النظام الرأسمالي. غير أن ما رصده المتتبعون والمهتمون الدارسون والمحللون، هو أنه كلما تجاوز النظام الرأسمالي أزماته المتعاقبة، كلما تعمقت أزمة الاشتراكيين واتضح عجزهم في بلورة الصيغة الثورية للحد من سيطرة رأس المال وقوانينه الظالمة.
احمد حبشي يونيو 2017