حوارات

عماد الترغي:السر المهني في المجال البنكي(الجزء الثاني )

الطالب الباحث عماد الترغي

المطلب الثاني: الحماية الجنائية للسر المهني البنكي.

أعالج بين دفتي هذا المطلب العناصر التكوينية لجرم إفشاء السر المهني البنكي )الفقرة الأولى( على أن أتناول المتابعة والعقاب المقرر لهذا الجرم )الفقرة الثانية( الفقرة الأولى: العناصر التكوينية لجريمة إفشاء السر المهني البنكي .
يحيل نص المادة 180 من القانون رقم 103.12 على نص الفصل 446 من المجموعة الجنائية، حيث أنه وبالرجوع لهذا الأخير يبدو انه لتحقق جريمة إفشاء السر المهني البنكي لابد من توفر العناصر التالية؛
أولا- العنصر المادي: ♧
وقد عبر عنه المشرع الجنائي بمقتضى الفصل 446 من المجموعة الجنائية عند ما عدد الأشخاص الملزمين بعدم إفشاء الأسرار التي يطلعون عليها بحكم مهنتهم أو وظيفتهم،
بتنصيصه؛ ” إذا أفشى سرا أودع لديه…” ويستفاد من هذه العبارة أن هذا العنصر يتضمن أمرين، أولهما السر -وقد سبق تعريفه بمناسبة المطلب الأول- وثانيهما الإفشاء وهو الافصاح والكشف عن معطى يعد لدى صاحبه سرا، أي يهمه كتمانه، وإفشاء السر إلى الغير قد يكون بالقول أو بالكتابة أو بالإشارة، كما قد يتحقق ذلك بنشره علنا في جريدة، أو التحدث به في محاضرة، أو بين الناس، أو التصريح به أو بجزء منه ولو إلى شخص واحد فقط.
ثانيا- العنصر المعنوي: ♧
لم ينص المشرع المغربي بمناسبة الفصل 446 من مجموعة القانون الجنائي، صراحة على عنصر القصد الجنائي، كشرط لقيام جريمة إفشاء الأسرار عموما، وعلى الرغم من ذلك، فإن الركن المعنوي يعتبر شرطا لازما لقيام هذه الجريمة، إذ أن ذلك ما يقتضيه تطبيق القواعد العامة للقانون الجنائي، وما جريمة إفشاء السر المهني البنكي إلا جريمة من
جرائم إفشاء الأسرار عموما، و تتطلب هي الأخرى توافر القصد الجنائي لدى الفاعل، لكن هل يتعين أن يتوفر إلى جانب عنصر القصد الجنائي العام القصد الخاص ؟
تكتفي بعض النظم المقارنة 2 بتوافر القصد العام وحده، فيكفي أن يكون المُفشي عالما بأنه يفشي سرا لم يصل إليه إلا عن طريق مهنته، ولايلزم أن تكون لديه نية الإضرار بمصالح العميل)القصد الخاص(، بل إن بعض التشريعات ذهبت لأبعد من ذلك واعتبرت أن مجرد الإهمال يرتب المسؤولية الجنائية .
عنصر الصفة: ♧
جريمة إفشاء السر المهني البنكي جريمة من جرائم ذوي الصفة الخاصة وهذه الصفة تستفاد من الفصل 446 ، الذي أورد في صياغته أن “كل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار بحكم مهنته أو وظيفته الدائمة أو المؤقتة”، وعليه فصفة الأمين على السر تستمد من المهنة أو الوظيفة التي تمكن صاحبها من معرفة الأسرار.
هذا، ويقر الأستاذ ريمون فرحات أنه لا يعتد في تحديد صفة الفاعل بوقت الإفشاء، بل وقت معرفة السر، لأن المتهم بعد تركه لوظيفته داخل البنك قد يفشي السر الذي علم به أثناء ممارسته لعمله، وبالتالي تتوافر فيه صفة الفاعل، أما إذا علم بالسر الذي أفشاه بعد ترك وظيفته فإن تلك الصفة تعتبر غير متوافرة، وبالتالي لا وجود لجريمة إفشاء الأسرار.
لكن هل يمكن أن يمتد الإلتزام بعدم إفشاء السر المهني لأشخاص أخرين غير أولئك الذين ؟ عددهم الفصل 446 جاء بهذا الخصوص في قرار لمحكمة النقض الفرنسية (3) أن الشريك كالفاعل الأصلي في جريمة إفشاء السر المهني ولو لم يحمل الصفة التي يتطلبها القانون.

الفقرة الثانية: المتابعة و العقاب المقرر لجريمة إفشاء السر المهني البنكي.
أولا- المتابعة: ♧
فهل يا ترى أن مسطرة المتابعة تتوقف على ورود شكاية من المتضرر أم تتم بصورة تلقائية من لدن النيابة العامة. ؟
بتولية الوجه شطر التشريعات المقارنة (4)، حيث أقرت صراحة بترك الأمر للعميل الذي تضررت مصالحه، فجعل له وحده حق تحريك المتابعة في مواجهة البنك من عدمه .
ثانيا – العقاب الجنائي : ♧
يعاقب الفصل 446 من المجموعة الجنائية مرتكب جريمة إفشاء السر المهني البنكي بعقوبة حبسية تتراوح مدتها بين شهر واحد و 6 أشهر و غرامة مالية تتراوح قيمتها بين 1200 و 20.000 درهم .
والذي يبدو من الفصل المذكور أن المشرع يجمع بين العقوبة السالبة للحرية و العقوبة المالية، كما أنه يصنف جريمة افشاء السر المهني ضمن الجنح الضبطية .
إلا أن ثمة من التشريعات التي نصت على عقوبات خاصة بالسر المهني البنكي وذلك ضمن النصوص المنظمة للنشاط البنكي، إلى جانب النص الجنائي العام، في إطار ما يعرف بمبدأ الخصوصية.
بيد أن ما يبعث على التساؤل هو هل هذه العقوبة تطبق على المؤسسة البنكية باعتبارها شخص اعتباري أم تطبق على الفاعل كشخص طبيعي؟ حيث أن ما رشح لي شخصيا، أنه في الحالة التي يتعذر فيها نسبة الفعل المقترف لشخص ذاتي (5)يعمل لحساب هذه المؤسسة أ و يمثلها أو عضوا فيها، فإن أحكام الفصل 127 من المجموعة الجنائية – النص الذي يقعد لمسؤولية الشخص الاعتباري الجنائية-، تجد سبيلا
للتطبيق هنا، أي عند ثبوت ارتكاب الإفشاء من قبل شخص ذاتي، فإننا نجنح إلى تطبيق العقوبة الواردة في الفصل 446 من المجموعة الجنائية بمعنى الحبس والغرامة، وإن تعذر ذلك يُصار إلى إعمال مقتضيات الفصل 127 من نفس القانون، سيما إذا ما علمنا أن الطابع الجماعي يغلب على مسألة إلتزام السر المهني، مما يستشكل معه معرفة الشخص
المُفشي على وجه الدقة، ويكون ليس من العدالة عدم تجريم هذا الفعل بعلة عدم التمكن من معرفة من قام بالإفشاء.
وإلى ذلك أيضا، تتقادم الدعوى العمومية عن جريمة إفشاء السر المهني البنكي بمرور 5 سنوات كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب فعل الإفشاء حسب المادة 5 من قانون المسطرة الجنائية المغربية، وفي الحالة التي يتكرر فيها الإفشاء فإن الأجل لا يسري إلا ابتداء من آخر فعل إفشاء.

خاتمة :
في حصيلة هذه القراءة لأحكام السر المهني في المجال البنكي، نخلص إلى أنه، ولكي تتحقق الغاية المرجوة من تجريم افشاء السر المهني البنكي والتي هي بكل تأكيد حماية المعاملات المصرفية وتعزيز ثقة المستبنكين؛ ينبغي أن تتضمن النصوص المنظمة للعمل البنكي نصوصا خاصة بهذه الجريمة والعقوبة الخاصة بها إسوة ببعض النظم المقارنة التي حققت النجاعة في هذا المجال ووصلت إلى الريادة.
ونشير إلى أن المسؤولية الجنائية الناشئة عن جريمة إفشاء السر المهني، تعطي كذل ك لمن تضرر جراء هذه الجريمة إمكانية المطالبة بالتعويض جبرا للضرر الذي طاله.

……………………………………….

3- قرار أورده محمد الناجي: “المسؤولية عن إفشاء السر المهني البنكي”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات
العليا في القانون الخاص، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وحدة التكوين والبحث في قانون الأعمال والاستثمار تخصص القانون التجاري المقارن السنة الجامعية 2006
.2007

4- كما هو الشأن بالنسبة للتشريع السويسري والتشريع اللبنان ي والتشريع السوري .
5 – هذا، ونشير إلى أنه بالرجوع لمقتضيات المادة 180 من القانون 103.12 نجد أن المعنيين بخرق
مبدأ السر المهني هم الأشخاص الذين يشاركون، بأي وجه من الوجوه، في إدارة أو تسيير أو تدبير مؤسسة ائتمان أو هيئة معتبرة في حكمها أو يكونون مستخدمين لديها وأعضاء المجلس الوطني للائتمان
والادخار ولجنة مؤسسات الائتمان واللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان ولجنة التنسيق والرقابة على
المخاطر الشمولية ومجلس الإدارة ومستخدمي الشركة المسيرة والأشخاص المكلفون ولو بصفة استثنائية
بأعمال تتعلق بمراقبة المؤسسات الخاضعة لرقابة بنك المغرب عملا بهذا القانون وبوجه عام كل شخص يدعى، بوجه من الوجوه، للاطلاع على المعلومات المتعلقة بالمؤسسات المذكورة أو لاستغلالها وذلك
فيما يتعلق بجميع القضايا التي ينظرون فيها بأي صفة كانت.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى