الخبير التربوي عبدالرزاق بن شريج (4):*الفرنكفوني ينتصر على الأنجلوسكسوني بالجامعة المغربية

س= ما رأيك في تراجع الوزارة عن نظام الباشلور؟
ج= في مجال التربية والتكوين ليس المشكل في التراجع عن نموذج بيداغوجي أو مشروع أو برنامج أو بنية تربوية، بل المشكل في عدم بناء قرارات التراجع أو التبني على دراسة ميدانية علمية، وقد كُتِب الكثير حول الموضوع إبان إعلان الوزير الميراويعن التراجع خلال السنة الدراسية الفارطة، حقيقة ليست الجامعة في حل من التردي الذي أصاب المنظومة التربوية عامة، وما يهمني كثيرا في شأن هذا التراجع هو تعرية الواقع الذي تعيشه الجامعة المغربية من خلال تحليل الشروع في تنفيذ نظام “الباشلور” والتراجع عنه، وسنعتمد تصريح وزير التعليم العالي عبد اللطيف الميراوي حول سبب تراجعه عن البكالوريوس/الباشلور والعودة لنظام (LMD) إجازة، ماستر، دكتوراه، فنكتشف أن الوزير السابقأمزازي (حسب تصريح الميراوي)أمر بتطبيق نظام “الباشلور”دون الارتكاز على دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية ودون المصادقة على مشروع المرسوم المنظم له، ودون انتظار رأي المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وهو ما يوضح بالملموس العشوائية والفوضى غير الخلاقة التي تعيشها المنظومة التربوية بصفة عامة بما في ذلك التعليم العالي، والأدهى من ذلك أن بعض الجامعات المغربية تعيش ثقافة القطيع، فمن أغرب المغربات أن هذا النظام تم اعتماده من قبل عشر جامعات، في حين لم يطبق سوى في جامعتين، هما جامعة ابن طفيل وجامعة سيدي محمد بن عبد الله، وهو ما يفضح زيف استقلال الجامعة، وبالتالي فضائح وزارة التعليم العالي لا تختلف عن فضائح باقي الوزارات في زمن الرداءة، ورغم أن انتقادات المجلس الأعلى للتربيةوالتكوين لا تهم نظام الباكالوريوس/الباشلركما هو مطبق في الدول الأنجلوسكسونية، بل هم المنهجية والطريقة والأدوات المعتمدة في تطبيقه بالجامعة المغربية، وهو ما يبرز أن خلف هذا المشكل صراع بين الأنجلوسكسونيين والفرنكوفونيين، أي العودة إلى صراع لغة التدريس غير المحسوم فيها منذ بداية الاستقلال.
س= مرت نصف مدة تطبيق تنزيل الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار، كيف ترون ما تحقق؟
ج= سبق أن كتبت مقالة في هذا الشأن أسميتها “المنظومة التربوية وسروال علي”، وأنتم تعرفون هذه القصة الموجودة بكتاب القراءة للمستوى 3 ابتدائي في سلسلة “اقرأ” من إبداع الكاتب المرحوم “أحمد بوكماخ”، في فترة السبعينيات، إذ تحكي القصة عن طفل اسمه “علي” اشترى له أبوه سروالا ولما لبسه اكتشف بأنه طويل – بمقدار شبر- عن قدميه، فطلب من أمه ثم من أخته ثم من جدته أن يقمن بقص السروال بمقدار الشبر وخياطته، فاعتذرت النسوة الثلاث عن القيام بالمهمة بحجة أنهن مشغولات، لكن لما جاء الليل، تذكرت الأم طلب ولدها فقامت في لحظتها فقصرت السروال بمقدار شبر وخاطته، ثم تذكرت بعدها الأخت أيضا رجاء أخيها وقامت من نومها وفعلت نفس الشيء وبعد ذلك، عند الفجر كان دور الجدة قد حان لتلبي طلب حفيدها إذ استيقظت من نومها، وعند الصباح لبس “علي” السروال للذهاب إلى المدرسة فوجده قصيرا جدا، وغير قابل للاستعمال نهائيا، وهكذا ببلادنا فالمنظومة التربوية تخضع لأهواء ورغبات وتمثلات المسؤولين، كل مسؤول يقص منها ما لا يحب، وأشرت لك سابقا أن ما اتفق عليه سعيد أمزازي تنصل منه عبد اللطيف الميراوي، أو لنقل قص منه الجزء الذي لا يناسب خلفيته السياسية والفكرية، وغيره من المسؤولين على مدى أزيد من 60 سنة من الإصلاحات غير التامة وغير الناجحة، وهذه حقائق موثقة ويعلمها كل مهتم وتشهد بها كل المؤسسات المعنية، فقراءة بسيطة لتاريخ الإصلاحات التربوية بالمغرب منذ 1958 إلى الآن تعطيك صورة واضحة على أن واقع المنظومة التربوية يشبه قصة “سروال علي”، ولا أحتاج هنا لأذكرك بالانتقادات الموجهة للوزارات المتعاقبة حول الرؤية الاستراتيجية منذ أن كانت “تدابير ذات أولوية” وتحولت إلى رؤية استراتيجية، لنقرأ رأي المجلس الأعلى للتربية والتكوين، ورأي المجلس الأعلى للحسابات، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ومجلس المنافسة، وبنك المغرب، وغيرها من المؤسسات الدستورية.