وجهة نظر

الأستاذ عبد الرحيم جدي :المناضلون الشباب في مواجهة ” الطاعون الهيجلي ” !

يلاحظ المتتبع والمتضامن/المشجع لانخراط شباب في العمل السياسي /الجمعوي وكل ما يتعلق بالشأن العام .. من مشارب و مواقع حزبية تقدمية /يسارية مختلفة .. أن الشباب المنخرط بهذا الحجم أو ذاك في الصراع المجتمعي ، من هذه النقطة أو تلك ، يتشرب و يعي القضايا العامة للمجتمع كقضية شخصية وذاتية …
وبما أن موازين القوى وآفاق إنجازالحلم التاريخي في التحرر و اكتساب أسباب السعادة الفردية والجماعية – الذي أصبح قضية شخصية لدى الشباب المعني – تبدو بعيدة المنال ودونها صراع ضار يغطي كل المجالات .. وبالتالي لا يمكن تحقيقه الآن /هنا .. بل يقتضي وعيا تاريخيا يغطي مهام عدة أجيال .. هذا المعطى الموضوعي يكوي الإحساس الحاد بالتأخر التاريخي لدى الشباب المعني .. ويضعهم في مفترق الطرق بين الإستسلام لمنطق الضعف التاريخي الراهن .. في شكل ضياع روحي واجتماعي ، وهو الغالب أيديولوجيا ، وبين ما عبّر عنه الشاعر درويش : ” ومضت خلف البحر بحثا عن معنى جديد للحقيقة ” …
قبل الاستطراد في محاولة التماس بعض عناصر استيعاب هذه المعضلة أريد التنبيه إلى أن ” الشباب” ليس مفهوما عمريا فقط بل يغطي أيضا زمن الانخراط في الصراع المجتمعي .. وبالتالي قد يشمل الكهول أيضا … أي أن المصطلح يستحضر الزمن الاجتماعي أو بالأصح زمن الانخراط في الصراع المجتمعي …
في كتابه عن ” لودفيخ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الالمانية ” ناقش فريديريك إنجلس تأثير فلسفة هيجل على جماعة ” دكتور كلوب ” او ما يعرف بالهيجليين الشباب .. الذين استمروا في فهم ومناقشة قضايا المجتمع التاريخية كمشكلة ” الفرد الأوحد l’Unique .. أو مشكلة الوعي الديني .. وبشكل العام قضية تثوير الروح الشعبية لتحديث المجتمع الألماني وتقدمه .. إنجلز وصف هذه الظاهرة الفكرية ” بالطاعون الهيجلي ” أي كوباء عمّ أغلب المثقفين الذين اعتبروا تغيير الذات هو المدخل لتغيير التاريخ ..
وإذا كان نقد إنجلز المذكور يشي بتحول الحركة التقدمية بألمانيا من مستوى النهضة الفكرية إلى زمن الهجوم التاريخي للطبقة العاملة بألمانيا الأمر الذي عبرت عنه بوضوح مقدمة ” الأيدلوجية الألمانية ” بقولها إنها تصفية حساب مع الوعي التاريخي الألماني بعيدا عن ترهات “وعي الذات “وانطلاقا من مكتسبات الثورة الفرنسية … إلا أنها تجربة غير قابلة للإسقاط على زمن الشباب المغربي حتى وإن اشتركت معه في تخلف تحقيق الوعي بالفرد .. كنتيجة تاريخية لانتكاس الثورة الليبرالية بالمجتمعين الألماني والمغربي .
الظاهرة الاستعمارية جعلت من وعي الذات في استقلاليتها الايديولوجية عن ثقافة المستعمر ، حتى ولو كانت مغرقة في رجعيتها وسلفيتها ، مكسبا تحرريا ووطنيا .. لم يجد فرانز فانون في ” المعدبون في الأرض ” أكثر من الدعوة إلى ” أيها الرفاق .. لقد انتهت اللعبة الأوروبية .. ينبغي البحث عن شيء آخر ” أي جواب مخاتل عن التحفظ من الرجوع إلى ثقافة السلف .. دون إعلانه صراحة ، وهو ما تكتوي به اليوم القارة الإفريقية والمنطقة العربية .. أي أضفاء القداسة على الماضي الثقافي الذي وفر شروط الاستعمار .. ويا للمفارقة!
تحدث الاستاذ عبدالله العروي ، في كتابه ” العرب والفكر التاريخي ” بلباقة عن ما أسماه بالثورة الكوبيرنيكية .. أي تغيير رؤية العالم في وعي الإنسان .. دون أي مساس بالمواقع الاجتماعية المتصارعة … والظاهر أنه كان متفائلا أكثر مما يجب وهو ما أكده صراحة في الحوار المطول الذي أنجزه مع محمد برادة وصحبه في ” الحب والتاريخ ” . لقد أصبحت رؤية العالم التقليدية عدوا شرسا لكل تغيير … ؟
هل يترتب عن الملاحظات السابقة .. ضرورة الاصطفاف ضمن الرؤية ” اللاإنسانوية” Antihumanisme théorique كما صاغتها المدرسة الألثوسيرية واتباعها العرب كمهدي عامل وبالتالي اعتبار “هم الذات” بعبارة فوكو Le souci de soi مجرد تعبير عن هيمنة ثقافية للرأسمالية العالمية وربيبتها المحلية ؟
لعل ما يشفع للراحل المغتال أنه لم يعاين انهيار المعسكر الاشتراكي وما تبعته من مآسي تاريخية .. أن أصبح ” حزب الله ” مدافعا شرسا عن الوطنية والقومية .الخ .. بينما تصطف القوى الليبرالية و بعض التقدمية انتظارا لتعليمات السفير الأمريكي بلبنان …
إنها تجربة ملموسة تؤكد أن ” الوعي بالذات ” كرهان للصراع ليست بالضرورة وعيا مستلبا … ,إنما السؤال أي وعي بالذات وهو ما يقود إلى ضرورة التمييز بين البناء الثقافي للأنا الجمعي .. وبين خوض المعارك بوعي تاريخي.
أجدني مضطرا للانتهاء إلى الخلاصة .. إن وعي الذات أو الأنا من خلال قضايا المجتمع هو مفصل ضروري للشباب .. إلى أن يصل إلى مأزق تحقيق الحلم بذاته ولذاته .. في هذه اللحظة التاريخية من زمنه يجب أن يكتسب وعيا تاريخا بقضيته ويدرك أنها ليس فقط قضية مجتمع بل قضية الفئات الأكثر تخلفا فيه … أي المزيد من الانفتاح على المجتمع وما يقتضيه من نكران للذات .. تحت طائلة الضياع وهو انتصار تاريخي للقوى الرجعية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى