اخبار دولية

الجزائر: طال اختفاء تبون ولا أحد يعرف مصيره ولا مكان وجوده

أحمد رباص – تنوير
عرف المشهد السياسي والإعلامي الجزائري جدلاً حاداً إثر غياب الرئيس عبد المجيد تبون عن الحياة العامة منذ الرابع من غشت الاخير، في وقتٍ حرجٍ تمر فيه البلاد بمرحلةٍ تتطلب حضوراً فاعلاً من أعلى سلطة في الدولة. ومما زاد من التساؤلات والشكوك، ليس هذا الغياب فحسب، بل أيضاً التقرير الذي بثه التلفزيون الرسمي، مؤكداً عودته إلى السلطة، في حين تبيّن أن اللقطات المستخدمة تعود لأكثر من عام. وقد صدم هذا الكشف الرأي العام، وزاد من شعوره بالحيرة والشك .

هذا الاختفاء الغامض، إلى جانب غياب أي بيان رسمي واضح من الرئاسة أو الحكومة، فتح الباب أمام تفسيرات وتكهنات متعددة. يرى البعض أنها مشكلة صحية حساسة، إذ سبق لتبون أن عانى من مشاكل صحية، بينما يفسرها آخرون على أنها قضايا سياسية داخلية مرتبطة بهشاشة موازين القوى.

هذا الغموض يُعيد إلى الأذهان وقائع سابقة، عندما عاش الجزائريون وضعا مشابها مع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي اختفى عن الأنظار لسنوات طويلة في ظل صمت رسمي، مما خلق أزمة ثقة عميقة بين الشعب والمؤسسات.

إن استخدام لقطات قديمة لتبرير غياب الوجود يثير تساؤلات جدية حول مصداقية وسائل الإعلام الرسمية، التي يُفترض أن تكون قناةً لنقل الحقيقة وخدمة المواطنين، لا أداةً للترويج لخطاب إعلامي مُعدّ مسبقًا. وبينما تدعو وزارة الاتصال إلى إنشاء “جبهة إعلامية وطنية” لمواجهة ما تسميه “حملات تضليل من الخارج”، يواجه المواطنون تناقضا مُقلقا: فالإعلام الرسمي نفسه أصبح مصدرا للبلبلة، يُقوّض ثقة الناس بالدولة بدلًا من تعزيزها.

وفي ظل غياب معلومات واضحة، لا يزال الشعب الجزائري غارقا في فراغ إعلامي تغذيه الشائعات والتكهنات، بينما تلتزم السلطات الصمت. هذا الصمت يُعزز الشكوك ويطرح سؤالا جوهريا: هل هذه مجرد مشكلة صحية عابرة أم أزمة حوكمة أعمق من المرجح أن تهدد الاستقرار السياسي للبلاد؟ في ظل غياب الإجابات الرسمية، ما يزال الجزائريون في حالة ترقب، يتأرجحون بين الشك وعدم الثقة، حيث يصبح كل ظهور للرئيس أو خبر عنه حدثا بحد ذاته، يكشف عن مدى الانقسام وفقدان الثقة في الرواية الرسمية.

اختفى عبد المجيد تبون في ظروف غامضة. هل هو مريض، أم ميت، أم معتقل من طرف جنرالاته؟ في الجزائر وخارجها، يخيم شعورٌ مُلحّ مفاده أن الرئيس الجزائري قد بلغ أجله.

ليس واضحا أيهما أكثر إثارةً للقلق، صمته المُطوّل أم اللامبالاة المُجمدة التي يُستقبل بها غيابه؟ لم يعد أحد، في الجزائر أو في غيرها، يُصدّق خرافة رئيس دولة في السلطة. تبون ليس سوى مُمثّل ثانوي مُرهَق في مسرحية كتبها ومثّلها المخرج الحقيقي للنظام؛ ألا وهو الجنرال سعيد شنقريحة.

داخليا، الوضع كارثي يعاني من نقص في الحليب والسميد والأدوية، وبنية تحتية متداعية، وفساد مستشرٍ.. البلاد غنية بالمحروقات، لكن الجزائريين يصطفون في طوابير للحصول على البنزين والديزل! والأسوأ من ذلك، أن مآسي مثل حادث الحافلة الذي وقع في وادي الحراش تُبرز بقسوة فشل حكومة مهووسة بأهوائها الدبلوماسية وخطابها المعادي للمغرب، لكنها عاجزة عن تأمين جسر واحد أو تجديد بنية تحتية لا تزال تعود إلى الحقبة الاستعمارية.

بينما يُوزّع تبون الملايين على “إخوانه الأفارقة” لكسب دعمهم ضد المغرب، يُحشر مواطنوه في مستشفيات متداعية. هذا هو ملخص رئاسة مُنحطة إلى حدّ السخافة: سخية في الخارج، لكنها بخيلّة على شعبها.

في الخارج، أصبح تبون شخصا غير مرغوب فيه. الجزائر دولة منبوذة في الرباط، تجاهلتها أوروبا، وتشتبه بها دول الساحل في اللعب بنيران الإرهاب، والآن أصبحت مهمشة حتى من قبل موسكو، التي لا ترى في الجزائر إلا مشتريا للأسلحة.

وماذا عنها في العالم العربي؟ باستثناء الدوحة وتونس، لم يعد أحد يفتح أبوابه لتبون. حتى رحلاته النادرة إلى الخارج تبدو أشبه بنزهات طبية منها بزيارات رسمية.

لكن ما قيمة تبون الحقيقية؟ ليس أكثر من بيدق، دفعه أحمد قايد صالح بعد سقوط بوتفليقة، ثم أبقاه شنقريحة على أجهزة الإنعاش. اليوم، يظهر هذا الأخير بالفعل كرجل قوي، يقف بفخر أمام الكاميرات إلى جانب ضحايا حادث الحراش، بينما يغيب الرئيس الوهمي بشكل لافت.

“مسلسل تبون” يقترب من نهايته: مرض، انقلاب، أم مجرد تهميش؟ لا يهم. ما يهم النظام هو وجه جديد. لطالما احتاج النظام العسكري الجزائري إلى قناع مدني لإخفاء وجهه الحقيقي: وجه طغمة عسكرية طاعنة في السن، صماء تجاه شعبها ومهووسة بجارها المغرب.

يا لها من مفارقة تاريخية! كان من المفترض أن يُجسّد تبون التجديد بعد سقوط بوتفليقة. لكنه في الواقع، كرّر أسوأ سيناريو عناصره غياب طويل، رئاسة مُشلولة، إفلاس اقتصادي، وعزلة دولية. كل ذلك دون كاريزما أو رؤية أو شجاعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى