نور الدين بوكروح يتغاضى عن الوقائع التاريخية المتحكمة في النزاع بين المغرب والجزائر
أحمد رباص
نشر نور الدين بوكروح، في موقع “oumma.com”، مقالا بالفرنسية تحت عنوان: “الحرب على أبوابنا” كحلقة أولى من سلسلة مقالات يحذر فيها الجزائر والمغرب من “إعصار” قادم لا محالة. ولعل تاريخ نشر هذا المقال (27 دجنبر 2019) يوحي بأن كاتبه يكتسب حدسا تنبؤيا صحيحا، وبأن بعض ما قاله هنا ما زال يحوز على راهنبته ولم يتقادم.
قبل عرض جزء كبير من مضمون مقاله وتسجيل بعض الملاحظات، نتساءل: من هو نور الدين بوكروح في سطور؟ هو رجل سياسي جزائري أسس حزب التجديد الجزائري، وشارك في الانتخابات الرئاسية 1995 وتقلد عدة مناصب وزارية. يتبنى نور الدين بوكروح الخط الليبرالي في توجهاته الفكرية.
بدأ الكاتب مقاله مؤكدا أن الجزائر اعتقدت، لفترة طويلة، أن أخطر حرب يمكن أن تواجهها ستأتي من المغرب، جارتها الغربية، المسؤولة، في نظره، عن النزاعين العسكريين اللذين نشبا بينهما في الماضي.
بخصوص النزاع الأول، يقول الكاتب إنه نشأ من تنازع المغرب على جزء من الحدود المشتركة، وأدى في عام 1963 إلى “حرب الرمال”، بينما كان النزاع الثاني نتيجة ل”احتلال” المغرب للمناطق الصحراوية التي امتنع الكاتب عن اعتبارها امتدادا لترابه الوطني، مما دفع جيشا البلدين إلى الدخول في تطاحن على نطاق صغير توزع بين جولتين (معركتا أمغالا الأولى وأمغالا الثانية عام 1975)، بحيث لم يكن هناك رابح ولا خاسر. في الواقع, كلا البلدين خسر، واستمر العداء بينهما على مستويات أخرى.
ورغم أن الدولتين صرفتا منذ ذلك الحين مئات المليارات من الدولارات لتجديد معداتهما العسكرية بشكل دوري والحفاظ على تكافؤ معوم، وخصم هذه المبالغ الهائلة من أعمال التنمية، إلا أنه لم تتح، والحمد لله، فرصة لاستخدامها، يلاحظ الكاتب.
ويرى بوكروح انه ينبغي أن تتقلص هذه الميزانية الدفاعية في المستقبل شريطة أن يقوم البلدان بمراجعة جذرية وبسرعة كبيرة لمفهومهما عن الأمن القومي والمصلحة الوطنية، والاستعداد لمواجهة الإعصار الجيوستراتيجي الذي اجتاح بلدان الشرق الأوسط، ويتجه الآن نحو بلدينا.
لقد اعتقدنا منذ زمن طويل، يتابع الكاتب، أن الإعصار سوف يتوقف عند منطقة الشرق الأوسط التي انطلق منها منذ الحرب العالمية الأولى، وأنه سيستثني المغرب العربي، لكن يبدو أن دورنا في استقبالها وجهاً لوجه قد جاء لاحقاً، إذ كان هناك ممر واسع فتحته له منطقة الساحل وليبيا.
ويحذر الكاتب قائلا: “لم يكن هناك مثل هذا التركيز الكبير للقوات الأجنبية في منطقتنا، والتي لن تغادر قبل أن تقوم بتقسيمها ووضع أيديها على ثرواتها الطبيعية. الشهية تأتي مع الأكل، والقوى المتنافسة على مناطق النفوذ والثروات الطبيعية في العالم سترغب في الذهاب إلى أبعد من ذلك وجعل الدول المغاربية تواجه مصيرا مماثلا”.
واضاف أنه بمجرد تمركزها وترسيخها بشكل دائم في ليبيا وفي دول الساحل التي لنا جميعا معها حدود مشتركة، ستصل هذه القوى حتماً إلى الجزء الأكبر من إفريقيا، إلى “البلاد-القارة” التي هي الجزائر. القوتان القديمتان اللتين احتلتاها بين القرنين السادس عشر والعشرين (الإمبراطورية العثمانية، تركيا حاليا، وفرنسا) يتحينان الفرصة.
ويتنبأ الكاتب بأن ذلك لن يحدث بين عشية وضحاها أو على شكل غزو عسكري، ولكن تدريجيا، بلمسات متتالية، من خلال تقسيمنا وزعزعة استقرارنا بواسطة التخريب، وتشجيع الانفصالية، والتلاعب بالجهادية، والإضعاف الاقتصادي.
التزاما بنهجه التحذيري، أشار كاتب المقال إلى أن التهديد على أبوابنا، وأن المغرب العربي في طريقه إلى خسارة ليبيا الموحدة بشكل نهائي، وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية بفضل مواردها الطاقية. أما تونس فيرى أنها تترنح بسبب عدم قدرة طبقتها السياسية على تقاسم الحكم. وينصح الدولتين القاطرتين في شمال إفريقيا، الجزائر والمغرب، بالتفكير في استغلال الوقت المتبقي قبل العاصفة لتحديث ومواءمة سياساتهما الخارجية، وتطوير مواقفهما المشتركة في مواجهة ما يحدث في المنطقة.
ثم يسدي الكاتب نصيحة أخرى للبلدان الخمسة التي وقعت ذات مرة على شهادة ميلاد اتحاد المغرب العربي، والتي يجب عليها أن تفهم أنه من الضروري إعادة فتح الموضوع بسرعة إذا أرادت النجاة من الإعصار الذي سيكتسح هذه المنطقة التي طال أمدها خارج الصراعات الدولية. إذا كان التهديد على أبوابنا ويمكن أن يؤثر علينا كدلو من الماء البارد يهرق علينا لأجل تنبيهنا إلى القضايا التي تهمنا، حتى لو تجاهلناه، فإن الحلول أيضا في متناول أيدينا.
بخصوص بلاده، رحب الكاتب بالدستور الجديد كأرضية لنظام يكرس سيادة الشعب، ويعزز الحكم الحديث والديمقراطي والاجتماعي، وهما الضمانتان الوحيدتان لمستقبل وطني متين، يجب علينا أيضا أن نفكر في إجراء مراجعة جذرية لرؤيتنا للعالم والعلاقات الدولية، وتوظيف قواتنا المسلحة، لأننا نكتشف أخيرا أن أمن أي بلد لا يتوقف عند حدوده.
والٱن، بعد الانتهاء من عرض أهم ما جاء في المقال، يجدر بي إبداء ملاحظات نقدية تبادرت إلى ذهني. أولاها أن الكاتب ادعى أن المغرب يحتل الأقاليم الصحراوية موضوع النزاع، في حين أنها أرض مغربية كانت تحتلها إسبانيا وتم إرجاعها إلى الوطن الأم: المغرب. الملاحظة الثانية هي أن بوكروح لم بأت على ذكر البوليساريو كطرف في النزاع، مكتفيا بذكر طرفين فقط وهما الجزائر والمغرب، وهو بذلك يدمج بلاده والجبهة في طرف واحد، وكأنه يقول لنا بشكل ضمني: على المغرب أن يتفاهم (بمعنى يتنازل) مع الجزائر الكفيلة وحدها بتحييد الجبهة جانبا.
أما الملاحظة الثالثة فهي ذات علاقة بالملاحظة الثانية؛ حيث أن الكاتب، بتغييبه للبوليساريو، حمل مسؤولية اندلاع النزاعين العسكريين للمغرب، في حين أنه لو كان تفكيره عقلانيا لأثبت النوايا السيئة التي تبيتها بلاده تجاه المغرب من خلال خلق جبهة من المرتزقة والإنفاق عليها من المال العام الذي من حق الشعب الجزائري استثماره لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة. وتبقى ملاحظة رابعة وأخيرة وهي أن بوكروح غابت عنه حقيقة او واقعة تاريخية كانت عاملا حاسما في نشوب حرب الرمال، وهي أن الجزائر ما كان لها ان تكون “بلاد-قارة” لولا اقتطاع فرنسا الاستعمارية لمناطق شرقية من المغرب وإلحاقها بالجزائر ظنا منها أن الجزائر ستبقى ولاية تابعة لها بعد أن يتحرر المغرب. وأقول للكاتب: أليس من حق المغرب المطالبة بإعادة رسم الحدود بين البلدين ليعود الوضع إلى ماكان عليه قبل مجيء الاستعمار الفرنسي؟