ماذا يجري في سوريا؟ إدريس عدار
فجأة عادت المطالب القديمة وفجأة عاد خطاب “الثورة” المكتوب بـ”السْمَخ” المصنوع من اللحى التي احترقت في أول امتحان، واتفقت إرادات و”لا إرادات” قوى متعددة للحرب من جديد على سوريا.
المزاعم هي نفسها، التي تم إطلاقها في 2011، تتكرر اليوم. ومثلما اشتد خطاب “الضلال” حينها يعود اليوم بقوة أكبر، وتتولى كبره منظومات إعلامية ماكرة جدا، خصوصا بعض منها يقف في صف المقاومة في غزة.
بمجرد الإعلان عن وقف إطلاق النار على جبهة لبنان تم فتح جبهة جديدة بسوريا، ودون انتظار، وكان نتنياهو في خطاب تبرير إقدامه على الاتفاق قال من أجل التفرغ لإيران وسوريا، وختم قائلا “الأسد يلعب بالنار”، كانت هذه كلمة السر التي انفتح من خلالها باب الشر، وانطلقت جحافل الإرهاب وموارده البشرية التي كانت مستعدة للانطلاق لخلق حالة حرب بسوريا وإشغال محور المقاومة.
ليس من باب الصدفة أن تتوحد أمريكا وتركيا وإسرائيل والجماعات الإرهابية في معركة واحدة ضد عدو واحد دون أن يكون هناك رابط استراتيجي بينهم.
تركيا، التي ظل رئيسها رجب طيب أردوغان، يزعم أنه مع فلسطين، أظهر عدوانية تجاه سوريا. باع للفلسطينيين الكلام الفارغ بينما يقدم عملا مسلحا لفائدة الإسرائيلي. ولم يكن أحد معني بالمقاومة يصدق أنه ضد إسرائيل ولم يقطع العلاقات الديبلوماسية، وحتى لما أعلن ذلك بعد مرور أكثر من عام لم يسمع أحد بإغلاق السفارة، وزعم في ماي الماضي قطع العلاقات التجارية، لكن الأسبوع الماضي قصف الجيش اليمني باخرة تركية تتعامل مع إسرائيل، وبدل أن يسكت هدد بمهاجمة اليمن.
ما هذه الصدفة الغريبة؟ حلف فيه أمريكا وإسرائيل والجماعات الإرهابية، وحلف فيه روسيا وإيران وسوريا وح.الله والقوات الرديفة.
هنا يظهر الوهم وفقدان البوصلة عند من يدعي مساندة المقاو/مة في غزة ودعم الجماعات الإرهابية تحت عنوان “الثورة السورية”. فـ”بوصلة المقاومة” محدد رئيسي وقاعدة لفهم ما يجري في سوريا. لا يمكن فصله بتاتا.
لا ينفصل أمر عن آخر. كان المطلب الرئيسي للأمريكي و”الإسرائيلي” هو “تدويل” الحدو اللبنانية مع سوريا. وهذا الأمر تم رفضه بشكل مطلق. لأنه من جهة يفقد لبنان سيادته، وتصر المقاومة على ألا يتم أي اتفاق إلا تحت سقف السيادة، ومن جهة أخرى يعني قطع خطوط إمداد المقاومة. لما يئسوا من الأمر لأن سوريا رفضت قطعا صدرت الأوامر لإشعال الجبهة السورية. وهذا يذكرنا بشيء لا يريد أنصار “الثورة السورية” ذكره، ويتعلق الأمر بكولن بأول وزير خارجية أمريكا الأسبق، الذي فتح جسر ذهاب وإياب نحو دمشق من 2003 إلى 2005، وبعد أن رفضت دمشق إملاءات واشنطن، التي كانت تتجلى في قطع العلاقات مع طهران وإنهاء دعم المقاومة صدر في تلك السنة قرار الكونغرس الأمريكي تحت مسمى “معاقبة سوريا”.
الحرب الكونية على سوريا هي نتيجة موقفها. فالبوصلة هي المقاومة، ومن كان ملتبسا فقد سقط في هذا الامتحان، وهم كثر. لأن ادعاءات ما يسمى المعارضة ليست حقيقية. كما أن سوريا لم تكن جنة فإنها لم تكن جهنما. كانت فيها أشياء كثيرة تعتبر في دول أخرى امتيازات. مجانية التطبيب والتعليم مع توفره بجودة لا بأس بها. توفير السكن بأسعار مناسبة جدا. دعم لأغلب المواد الاستهلاكية. تحقيق صناعة قادرة على خلق اكتفاء ذاتي. سيادة غذائية. سياسيا، طرح المؤتمر الثامن لحزب البعث الحاكم حزمة إصلاحات، لكن تم الالتفاف عليها في انتظار شرارة الربيع العربي.
لو كانت المعارضة فعلا وطنية لما وضعت يدها في يد جماعات تكفيرية إرهابية. ومن الغرائب أن ميشيل كيلو، وهو مسيحي الديانة وشيوعي الإيديولوجية اعتبر في موقف حماسي بأن جبهة النصرة تمثل الجناح المسلح للثورة السورية. والآن لو افترضنا أن ما يوجد هو فعلا معارضة مسلحة. ألم يكن حريا بها ألا تضع يدها في يد الاحتلال الأمريكي والتركي والإسرائيلي لأراضي سوريا؟ لكن حاملو السلاح اليوم في سوريا، هم من الداخل السوري ومن العرب ومن الإيغور والشيشان، مجرد موارد بشرية في حركة الإرهاب العالمي التي تديرها مخابرات دولية وعلى رأسها الأمريكية.
فهل ستنجح أمريكا و”إسرائيل”، بتوظيف الجماعات الإرهابية والعمالة التركية تحقيق مكاسب على الأرض لتحويلها إلى مكاسب سياسية بعد خسارة معركة جنوب لبنان؟
قطعا لن يحققوا شيئا. لم يتمكنوا من تحقيق نتائج لما كانت سوريا مندهشة مما يحدث وكانت تحرص على عدم استعمال السلاح في وقت شرعت قوى إقليمية، خدمة للأمريكي، في تسليح ما يسمى الثورة السورية، وقد اعترف بذلك حمد بن جاسم، المسؤول القطري المسؤول والمفوض من أجل تسليح وتوريد المسلحين إلى سوريا، وكان النائب من تيار المستقبل عقاب صقر مقيما في تركيا يفتخر بتسليح “الثوار” وتسريبهم إلى سوريا.
لما يتمكنوا من تحقيق ذلك ولم يكن حزب الله قد دخل إلى سوريا ولم تكن هناك قوات رديفة، ولم تكن روسيا قد اتخذت موقفا واضحا من الصراع وتتدخل عسكريا. أما اليوم فجبهة المواجهة متكاملة واكتسبت خبرات كبيرة ستمكنها حتما من حسم الموقف في وقت قريب، ولعلها فرصة لإنهاء اتفاق أستانة بعد خرقه من قبل المسلحين وبعد انحياز أحد رعاته، أي أردوغان، إلى جانب المسلحين في إدلب حسب بيان الخارجية التركية.
عود على بدء. فباعتراف المقاومة الفلسطينية وخصوصا حماس فإنها تتلقى من إيران السلاح والمال والخبرات وأشياء أخرى بتعبير الشهيد السنوار ويحيى الضيف وأبوعبيدة، وكذلك قيل عن الدعم السوري، ولا نحتاج إلى تأكيد دعم العراقيين وحزب الله. وهناك دعم سياسي روسي لم يكن موجودا في السابق. في الجهة الأخرى هناك مزاعم لأردوغان لكن تعاون عملي مع “إسرائيل” وخصوصا تجاريا بعد أن ضاقت بها السبل عقب الإسناد من جبهة اليمن وإغلاق باب المندب.
لكل ذلك فالحرب ليست على سوريا، التي يمكن أن تلملم كل هذه الفتوق وتخرج منتصرة كما خرجت في السابق، ولكنها استمرار للحرب “الإسرائيلية” في جبهة أخرى، ويمكن فتح جبهات أخرى لكن رغم مفاجآت الحرب فإن المحور الأول ومنذ سنوات يعيش حالة تصاعد بينما المحور الآخر رغم غطرسته وقوته العسكرية يعيش اضطرابا وارتباكا.