ثقافة و فن

ندوة جامعية بسطات تناقش ديناميات الحكامة الترابية وآفاق الاستثمار بالأقاليم الجنوبية بقلم مراد الصباح

في سياق أكاديمي يتقاطع فيه البعد القانوني بالرهان التنموي، احتضنت كلية العلوم القانونية والسياسية بسطات، يوم الجمعة 26 دجنبر 2025، ندوة علمية وطنية وازنة تحت عنوان : “خمسون سنة من استرجاع الأقاليم الجنوبية: ديناميات الحكامة الترابية والاستثمار الواعد”، نظمها مختبر العلوم القانونية والسياسية والإنسانية والتحول الرقمي بشراكة مع المرصد المغربي للأبحاث والدراسات في العقار والتنمية، وبمشاركة نخبة من الأساتذة الجامعيين والباحثين.
وشكلت الجلسة الافتتاحية محطة مركزية في أشغال الندوة، حيث أكد الأستاذ البشير الدخيل، رئيس منتدى البدائل للدراسات الصحراوية، أن مبادرة الحكم الذاتي تمثل الإطار الوحيد الواقعي لتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، موضحا أن الحكم الذاتي لا يعني منح السيادة، بل تكريس مغربية الصحراء باعتبارها حقيقة تاريخية وقانونية. وأبرز أن القرار الأممي الأخير عزز هذا التوجه، وقضى على الطروحات الانفصالية التي ظلت تروج لخيارات متجاوزة في ظل التحولات الدولية الراهنة.
من جهته، شدد عبد اللطيف مكرم، رئيس جامعة الحسن الأول، على أن الأقاليم الجنوبية تعيش على وقع دينامية تنموية غير مسبوقة، بفضل الرؤية الملكية التي جعلت من هذه الأقاليم فضاء استراتيجيا للاستثمار ومركزا لمشاريع مهيكلة كبرى، مؤكدا أن الاعتراف الدولي المتزايد بمغربية الصحراء من شأنه تعزيز مناخ الثقة وتشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي.
وفي الاتجاه نفسه، اعتبرت حسنة كجي، عميدة كلية العلوم القانونية والسياسية، أن مبادرة الحكم الذاتي خيار استراتيجي يجمع بين الحكمة والواقعية، ويستجيب لمتطلبات الاستقرار والتنمية، مشيرة إلى أن المغرب اشتغل على ملف الصحراء منذ المسيرة الخضراء بنفس دبلوماسي وقانوني وتنموي متكامل، ما جعل المبادرة المغربية مرجعا أساسيا داخل المنتظم الأممي.
أما وفاء الصالحي، مديرة المختبر ورئيسة المرصد المغربي للأبحاث والدراسات في العقار والتنمية ومؤطرة الندوة، فأبرزت أن الأقاليم الجنوبية أضحت حاضنة لاستثمارات كبرى ومشاريع استراتيجية في مجالات اللوجستيك والطاقات المتجددة والبنيات التحتية، معتبرة أن العقار يشكل رافعة أساسية لتنزيل هذه المشاريع، بما يستدعي اعتماد حكامة رشيدة في تدبيره توازن بين متطلبات التنمية وحماية الملك العام والخاص واحترام البعد البيئي.
وانتقلت أشغال الندوة بعد ذلك إلى الجلسات العلمية، حيث خصصت الجلسة العلمية الأولى التي ترأسها الدكتور عبد الكريم النوحي لمناقشة الأبعاد السياسية والدستورية والاقتصادية المرتبطة بالحكم الذاتي والتنمية بالأقاليم الجنوبية. فقد تناول الأستاذ إحسان الحافيظي سياسة جنوب–جنوب وإمكانات تعميق العمق الإفريقي للجوار المغربي، فيما سلط الأستاذ سعيد شكاك الضوء على مبادرة الحكم الذاتي في ضوء قرار مجلس الأمن رقم 9727، مبرزا دلالاته القانونية والسياسية. كما أجرى الأستاذ نجيب جيري قراءة تأملية في بعض إشكالات الجهوية المتقدمة في دستور 2011 وانعكاساتها على تدبير هذه الأقاليم.
في حين ناقش الأستاذ عبد الله أوكواعروس دور الحكامة الترابية في تحسين مناخ الاستثمار،
واختتمت الجلسة بمداخلة الطالب الباحث بسلك الدكتوراه عبد الجليل نصيف حول الأمن العقاري في الصحراء المغربية وحماية الحقوق المكتسبة في سياق الانتقال نحو الحكم الذاتي.
أما الجلسة العلمية الثانية التي ترأسها الدكتور إحسان الحافظي، فقد ركزت على الاستثمار والعقار كمدخلين أساسيين للتنمية، حيث ناقش الأستاذ عبد الرحمان الفضلاوي السياسة الجبائية وتأثيرها على العقار الاستثماري.
وتطرق الأستاذ حمزة أنوي إلى دور المركز الجهوي للاستثمار بالداخلة في تسهيل عمليات الاستثمار بين الواقع والمأمول،في حين سلط الأستاذ مصطفى العملاقي الضوء على خصوصيات منازعات الاستثمار.
أما الأستاذ عبد الكريم النوحي فقد تناول دور الصفقات العمومية في تعزيز الاستثمار بالأقاليم الجنوبية، بينما أثار الأستاذ محمد الراقي إشكالات تدبير العقار السلالي المخصص للاستثمار في الجنوب.
في حين توقف الأستاذ عبد الكبير بوحفيظ عند التحولات الكبرى للسياسة المائية وانعكاسها على الأقاليم الجنوبية.
وقام ذ.زكرياء المساوي بتحليل أثر المشاريع الكبرى على تموقع الأقاليم الجنوبية كقطب اقتصادي واعد.
أما الأستاذ مصطفى جرموني فقد قدم قراءة في تدبير الملفات الاستثمارية من زاوية الوكالة الحضرية، قبل أن يختتم الأستاذ عبد الله فاضل بعلاقة العقار بتصاميم التهيئة من خلال تجربة الوكالة الحضرية بسطات.
وخلصت أشغال هذه الندوة إلى التأكيد على أن قضية الصحراء المغربية لم تعد محصورة في بعدها السياسي والدبلوماسي، بل أضحت رهانا تنمويا واستثماريا متكاملا، وأن الحكم الذاتي يشكل الإطار الأنسب لتحقيق الاستقرار وتعزيز التنمية المستدامة، في انسجام تام مع الرؤية الملكية ومع التحولات الإقليمية والدولية الراهنة.

بقلم مراد الصباح
طالب باحث بماستر التميز التهيئة والعقار والاستثمار بكلية العلوم القانونية و السياسية بسطات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى